إذا كان التعديل الحكومي في البلدان الديمقراطية ليس أكثر من أسلوب محدود من أساليب إدارة الأزمات التي تطرأ على الحكم من جراء فضيحة في وزارة أو استحالة التفاهم بين موقفين أو ما شابه ذلك، فإنه في المغرب يعتبر الإديولوجية المؤطرة لمنهج الإرجاء السياسي لمواجهة الحقيقة المرة التي مفادها أن ثمة إفلاسا سياسيا على كل الأصعدة. فكل التعديلات الحكومية لم تكن بسبب أزمة أو اختلاف وجهات النظر بين مكوني التحالف الحكومي ولكن، وبشكل دائم، بسبب الركود العام الذي تعرفه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة، ويكون التعديل الحكومي هو الوصفة السحرية التي يراد لها أن تبعث الروح من جديد في هذه الحياة. وهذا ما يفسر الرواج الكبير الذي يعرفه التعاطي لهذا الموضوع. فمهندسو الإرجاء السياسي يلجأون إلى استراتيجية المخاض العسير والمدوي، لولادة كل تعديل حكومي ليتسنى لهذا الأخير القيام بدوره السيكولوجي الباعث للأمل الكاذب في النفوس، وهذا ما يفسر كثافة التكهنات الإعلامية التي تسبق كل تعديل حكومي إلى درجة تأويل كل التحركات، حتى التحركات ذات الطابع الشخصي، بما يفيد هذا التعديل، فتتنافس المنابر الإعلامية في إبداع الصيغ والركض وراء تسجيل السبق الإعلامي لحدث كثيرا ما يكون في النهاية مجرد إشاعة أو وهم أو هلوسة سياسية، لكن بعدما يكون قد نجح في تنشيط الكتابات والتحاليل والاستجوابات والتصريحات والنقاشات والدردشات وشغل الرأي العام لبعض الوقت في محاولة إدماجه السياسي من جديد، إن أزمة الحكومة الحالية أكبر من أن تحصر في عدد من الأشخاص يتم استبدالهم بعدد أكبر أو أقل من أشخاص غيرهم، بل إنها تضرب بجذورها في أعماق الوضع السياسي العام بالمغرب. من جهة أولى، نجد أن تجربة الدستور الحالي أبانت عن فشل فلسفته في تنظيم الحياة السياسية بشكل عام ومهام الحكومة وصلاحياتها ومهام وصلاحيات المؤسسة التشريعية بشكل خاص وأن هذه التجربة انتهت بإضعاف الأحزاب السياسية وتهميش دورها في بناء المجتمع. من جهة ثانية، نجد ضعف الأحزاب السياسية، والذي يترجم بالانتضارية وغياب المبادرة، وتحولها إلى مجرد أدوات إعلامية إضافية للتنويه والتبشير بالمبادرات الملكية المتتالية والمتنوعة. من جهة ثالثة، نجد البلقنة التي تعرض لها المشهد السياسي، والتي تجعل الحصول على الأغلبية في البرلمان يتطلب تجميع عدد أكبر من الأحزاب، مما يغلب المقاربة العددية التقنية على المقاربة السياسية البرنامجية. ومن جهة رابعة، نجد الأزمة الداخلية للأحزاب السياسية في مختلف الجوانب، خاصة ما يتعلق بتراجع المنهجية الديمقراطية داخلها وقلة وضعف الأطر الكفأة وهيمنة طموح قياداتها في الاستوزار، الشيء الذي يترجم بفرض مقايضة الدخول في الأغلبية بالحصول على أكبر قدر من الحقائب الوزارية. ومن جهة خامسة، التضخم العددي للحكومة كنتيجة منطقية لما سبق وذلك على مستوى عدد الأحزاب المشاركة فيها وعلى مستوى عدد الحقائب الوزارية وعلى مستوى الكفاءة المتدنية للمستوزرين فيها. هذه العوامل ليست إلا بعضا من أهم عناوين العوامل المشكلة للأزمة السياسية في المغرب، والتي لا يشكل عزوف المواطنين عن التعاطي للشأن السياسي إلا نتيجة طبيعية لها. في هذا الإطار نتساءل: ماذا يعني إجراء تعديل حكومي، أو حتى التفكير فيه، على حكومة قضت ثلثي مدة صلاحيتها؟ لو أننا نتحدث بمنطق الأسطورة والخوارق أو السوبرمان لكان البحث عن هذا السوبيرمان مبررا لأي تعديل! إن الذي يجب تغييره هو منهجية عمل الحكومة وبرنامجها وأولوياتها واعتبارها حكومة أزمة تعمل من خلال أولويات جديدة أهمها: أولا: تدبير الملف الاجتماعي بما يجنب هذه الحكومة انفجار الوضع بين يديها بفعل العوامل الاقتصادية والتي على رأسها ارتفاع الأسعار. وذلك من خلال وضع سياسة تقشفية تبدأ بمراجعة الأجور العليا بدءا بأجور كبار رجال الدولة والوزراء والبرلمانيين لضمان التفاعل الإيجابي للمواطنين معها وتعبئتهم لصالحها، ومراجعة نظام الامتيازات ومراقبة التعويضات وسد منافذ تسرب المال العام بفعل كثير من الاختلالات ومراقبة الأسعار، خاصة أسعارا لمواد الأساسية وعلى رأسها الدقيق المدعم الذي يعرف فوضى في هذا الباب، والعمل على إنجاح الأوراش ذات الطابع الاجتماعي المفتوحة، خاصة ما تعلق بمبادرة التنمية الاجتماعية الملكية وتحفيز الاستثمار وتعميم التحصيل الضريبي مع تسهيل إجراءات الأداء بما يحفز المقاولات على الاستجابة له إلى غير ذلك من الإجراءات. ثانيا: وضع اللبنات الأساسية لإصلاح سياسي شامل بدءا بتعديل دستوري يستجيب لأهم الانتظارات السياسية، وخاصة ما يتعلق بتفعيل دور المؤسسة التشريعية والحكومة وتعزيز مبادراتهما في الإصلاح وتعزيز مسؤولياتهما أمام الشعب، وانتهاء بالمصادقة على قانون الأحزاب وتفعيله أملا في أن يتطور المشهد الحزبي استراتيجيا في اتجاه تشكيل الأقطاب السياسية المندمجة، والعمل على توفير جميع الشروط لاستحقاقات أكثر نزاهة وأكثر مشاركة وأكثر ديمقراطية. إن النقاش الذي يجب فتحه بجد وعمق في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا هو ما يتعلق بكيف نتضامن من أجل تجاوز الأزمة الحالية؟ وكيف ندمج عموم المواطنين بشكل إيجابي في هذا الورش؟ وكيف نجدد آليات التدبير بما يفيد الاستقرار والاستمرار؟ وإذا كان لا بد من تعديل حكومي تقني فليكن دون ضجة ولا هيللة.