التصوف في كتاب أهل العرفان، ربانية واجتهاد في العلم بمقتضى الحق والعمل به، تختلف حدوده بحسب مقامات رجاله في معارج السلوك ومقامات العرفان اللدني، لذلك لا تستقيم دراسته دون النظر في سير هؤلاء والتشوف في مصنفاتهم وآداب مناقبهم، فبهم تعرف حقيقته، وبه يعرفون ويُفضلون.. فبين جحود وظلم لمقامهم، ومغالاة في رواية كراماتهم ومناقبهم، تزداد الحاجة إلى ترجمة أفكارهم لعموم الناس، في مغرب يحرص اليوم على خصوصيته المذهبية، بإحياء قيم التصوف لمواجهة رياح التطرف. خصص له الشيخ أحمد بن مبارك السجلماسي اللمطي كتابا شهيرا باسم «الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز»، وهو من الكتب الشهيرة في أدب المناقب في العالم العربي والإسلامي، وبدأه ب«الحمد لله الذي فتح لأوليائه طريق الوسائل، وأجرى على أيديهم الكريمة أنواع الفضائل، فمن اقتدى بهم انتصر واهتدى، ومن حاد عن طريقهم انتكس وتردى» وهو بهذا يضع الرؤيا المنطلق لترجمته للشيخ، والتي استهلها بذكر أصل أجداده وأبيه ووالدته، ثم التنبؤات التي سبقته، وأشارت إلى المكانة العظيمة التي ستكون له في عالم الولاية والكشف، فذكر حكايات وأحاديث خاصة نقلها عن الشيخ، منها طريقه في الكشف الرباني وتفسيراته لما التبس على مريديه من أحاديث نبوية وآثار بعض مشايخ التصوف، ناهيك عن عرفانه اللدني في مواضيع البرزخ والبعث والجنة والنار، وغيرها من أمور العقيدة. تلقى الشيخ عبد العزيز الدباغ تعليمه الرباني على يد الشيخ العربي الفشتالي أول الأمر، ليبدأ مسيرة البحث عن الحق يقول: «فما سمعت عن أحد يشيخه الناس ويشيرون إليه بالولاية إلا ذهبت إليه وشيخته، فإذا شيخته ودمت على أوراده مدة، يضيق صدري ولأرى زيادة، فأتركه ثم أذهب إلى غيره» وهكذا دواليك، وينقل صاحب الإبريز أيضا أن الشيخ عبد العزيز لقي الخضر عليه السلام، ولقنه وردا.. داوم عليه حتى جاءه الفتح عام 1125 هجرية. يتميز منهج الشيخ عبد العزيز الدباغ في التربية بما يعرف عند الصوفية بالمكاشفة، وهو اطلاع الشيخ لمريده أو لتلميذه على حقيقة يعلمها هو دون غيره. والمكاشفة هي إحدى أدوات التربية عند الصوفية عموما، وتصل إلى حدود شخصية عند المريد.. وهذا من مآخذ بعض علماء السنة على سيرة الشيخ عبد العزيز الدباغ، منها مثلا ما يرويه في «الأبريز» المريد محمد بن أحمد بن حنين، من أمور كاشفه فيها الشيخ رغم أنها خاصة جدا لأنها متعلقة بزوجات هذا المريد.. وعموما فإن الشيخ يكون في حالة مراقبة دائمة لمريديه، فهو كالراعي في غنمه يعرفهم فردا فردا، وبفضل من الله يعرف أمراض قلوبهم ويعمل على علاجها بما فتح الله عليه من علم، وهذا العلاج يكون في معظم الأحيان بالرفق والابتسام، وأحب شيء للمريد أو التلميذ أن يكون في معية شيخه متعرضا للنفحات التي تهب فتحيا بها القلوب. ذلك لأن الشيخ يكون فى حالة ذكر دائم سواء باللسان أو القلب. وللشيخ عبد العزيز الدباغ حفيد هو الشيخ عمر بن محمد بن عبد العزيز الدباغ، ترجم له الشيخ احمد بن الحاج العياشي سكيرج في «كشف الحجاب»، قال «منهم الشريف الجليل القدر، منوّر القلب ومنشرح الصدر، الراقي في مراقي المجد إلى أعلاها، والحائز من درر السر المصون أغلاها، سيدي عمر بن سيدي محمد بن القطب الكبير، والغوث الشهير، من يشار له بالأصابع في المغرب والمشرق..».