التصوف في كتاب أهل العرفان، ربانية واجتهاد في العلم بمقتضى الحق والعمل به، تختلف حدوده بحسب مقامات رجاله في معارج السلوك ومقامات العرفان اللدني، لذلك لا تستقيم دراسته دون النظر في سير هؤلاء والتشوف في مصنفاتهم وآداب مناقبهم، فبهم تعرف حقيقته، وبه يعرفون ويُفضلون.. فبين جحود وظلم لمقامهم، ومغالاة في رواية كراماتهم ومناقبهم، تزداد الحاجة إلى ترجمة أفكارهم لعموم الناس، في مغرب يحرص اليوم على خصوصيته المذهبية، بإحياء قيم التصوف لمواجهة رياح التطرف. هو أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي الأنصاري المعروف بالسبتي، خصص له صاحب «التشوف» فصلا قائما بذاته، بل إنه لا يوجد كتاب عن التصوف وأهله في المغرب العربي، دون ذكر هذا الشيخ، ولد ببلدة سبتة المغربية سنة 524 ه، ومنها جاء لقب السبتي، هو أحد «سبعة رجال» في الثقافة المراكشية خاصة والمغربية عامة، إلى جانب «الشيخ يوسف بن علي الصنهاجي»، المبتلى، المعروف «بصاحب الغار»، والقاضي عياض بن موسى اليحصبي، صاحب «الشفا»، ثم أبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي، وعبد العزيز بن عبد الحق التباع، وأبي محمد عبد الله بن عجال الغزواني، وأخيرا عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، ولعل القواسم المشتركة التي تجمع بين رجالات مراكش السبعة، هي زهدهم في الدنيا، وسعيهم للخير، وحفظهم للقرآن، ونشرهم للعلم، ولتعاليم الدين السمحاء، وانكبابهم على التأليف في الحديث والفقه والسيرة واللغة. تعلم الشيخ أبو العباس السبتي على يد شيخه أبو عبد الله الفخار، كما أنه كان صاحبا ورفيقا للقاضي عياض، وهو أكثر متصوفة مراكش شهرة وإثارة للجدل، بحسب التادلي في «التشوف»، لكن أثره في التصوف المغربي بالغ الوضوح، وقد نقلت مصنفات المناقب والتاريخ أخبارا تكاد تغطي عن باقي متصوفة مراكش. دخل أبو العباس إلى مراكش، وقطع خلوته الطويلة في عهد المنصور، ومع وصول أخبار كرامات أبي العباس بعد نزوله على جبل جيليز، جعل المنصور واعيان المدينة يطلعون إليه للتبرك، ودعاه الخليفة إلى الإقامة بالمدينة وحبس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى. وهذه المرحلة من أخصب مراحل حياة أبي العباس، ففيها تم نشر مذهبه على نطاق واسع إذ كان يطوف بنفسه في الأسواق ويحث الناس على الصدقة وعلى المتاجرة مع الله. توفي بمراكش في اليوم الثالث من جمادى الأخيرة عام 601 ه/1204م. كان الشيخ السبتي مشاركا بجد واجتهاد في علوم الإسلام، فقيها على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه - بل كان حائزا لرئاسة الفقه في وقته، بصيرا بفروع المذهب، ضابطا لقواعده، عارفا بصناعة الأحكام.. اشتهر بسيره على مقاصد السنة الشريفة، وكان من دعاة العلم والعمل به والزهد والورع والصدقة، والمعروف النهاية، قطع عمره في العبادة، وجلل كل هذا بحلو الأقوال وجمال الأفعال، حتى وصفه المؤقت في كتابه السعادة : بحجة المغاربة على أهل الأقاليم. أخذ عنه الكثيرون من أهل العلم والعمل، وأحبه الناس ومريدوه، وتوفي يوم الاثنين 3 جمادى آخر 601 هجرية، وقد بنى السلطان أبو فارس السعدي مسجدا كبيرا على قبره سنة 1012 ه، ويقبل عليه الناس للزيارة بكثرة خصوصا يوم الأربعاء، ليصبح ذلك تقليدا شعبيا متوارثا وهو من التقاليد الجميلة في مدينة مراكش زيارة السبعة رجال، التي يحرص عليها أهل البلدة ومن أحب زيارة الصالحين من غيرهم ممن يقدمون إلى هذه المدينة، وبالرغم من وجود أكثر من مائة ولي يزار بمدينة مراكش إلا أن الناس داومت على هذه الزيارة وصارت تسمية السبعة رجال علما على سادة بعينهم، وهم المذكورون سابقا.