«الفيس بوك» موقع شبابي بامتياز يدخل ضمن خانة ما يسمى ب«المواقع الاجتماعية» على الأنترنيت نظرا إلى قدراته الهائلة على توفير فرص توطيد الوشائج بين الأفراد وضمان تواصل مستمر ودائم. وقد اختارت مجموعة من الشباب المغربي موقع «الفيس بوك» بالذات من أجل نشر عريضة احتجاج على تردي وانحطاط المشهد التلفزي الوطني وقعت عليها -حتى كتابة هذه السطور- الآلاف من الشابات والشبان في سياق انتفاضة عفوية تنم عن غضب شبابي مشوب بنوع من الإحباط من واقع لا يرتفع، لكنه موسوم برغبة أكيدة في التغيير. ولو تواضع «المسؤولون» عن تسيير الشأن التلفزي المغربي واطلعوا على كتابات الشباب على «الفيس بوك» وآرائهم الصريحة الخالية من أي تزويق أو تنميق وردود فعلهم على ما عانوه من «ترهيب تلفزي» وهم يتابعون البضائع/البرامج الفاسدة والممجوجة والأخبار البايتة والرسمية المفروضة بزّز على المشاهد المغربي الأعزل، لاستغنوا تماما عن استقصاءات الرأي (في بلد ليس فيه رأي عام) ومقاييس المشاهدة وأرقام «الأوديما» وتكهنات «أخصائيي» «الميديا ميتري»، ولاكتشفوا أن شباب المغرب يلفظ المنتوج التلفزي «الوطني» كما يلفظ جسم الإنسان الأعضاء الغريبة عنه، وما يسمى ب«الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» تلفظ أنفاسها الأخيرة. طرح الشباب على «الفيس بوك» سؤال الهوية في كل أبعاده الحضارية والروّحية، مشددين على انتفاء أي رابط أو انتماء لما تقدمه تلفزة يقال إنها مغربية من «مواد» تلفزية تحلق في كل الأجواء إلا الأجواء المغربية. ومما يُحْسَب لصالح المسؤولين عن الشركة المذكورة أنّهم تفادوا صفة «المغربية» حين وضعوا اسمها خلفا ل«الإذاعة والتلفزة المغربية» التي ماتت في صمت بعد فترة احتضار طويلة ومرض عضال لم ينفع معه علاج. وما الشركة الجديدة إلا محاولة يائسة مستحيلة لإنقاذ الغرقى من موت محقق، لكن الإتيان بالمعجزات ليس من شيم من عمدوا، خلال العشر سنوات الماضية، إلى إخراج الجثة التلفزية من قبرها وإحراقها وتحويلها إلى رماد يُدَرُّ في أعين المشاهدين من أجل التغطية على عجز مزمن على الإبداع والابتكار وتحريك البرك الآسنة الراكدة بعد أن أعطى الإداريون الدليل القاطع على انعدام الحرفية والمهنية لديهم ونظرا إلى تطفّلهم على ميدان لا يملكون مفاتيحه، مما جعل «بّاطرونهم» وجماعته يخبطون خبط عشواء ويرتجلون القرارات وينصبون البيروقراطية منهاجا للتسيير عبر تعيين عشرات المدراء الأشباح من أجل تدبير شؤون الشركة-الشبح. لو كنا في بيئة سليمة في نسيجها المعرفي والسياسي والإعلامي لسارع إداريو الشركة-الشبكة إلى تقديم استقالاتهم وتبرئة ذممهم والاعتراف بأنهم نصبوا في مواقعهم من أجل الاضطلاع بكل المهام إلا مهمة اتخاذ القرار والأخذ بزمام المبادرة، ذلك أن القرارات الحقيقية تظل فوقية صادرة عن الذين اقتنعوا، منذ زمن طويل، بأن الإذاعة والتلفزة ليست ملكا عموميا يقتات من الضرائب التي يؤديها الشعب بزّزْ منو ورغم أنفه، إذ إنهم يعتبرون الشركة وإفرازاتها التلفزية المتعددة والمتناسلة حصنا حصينا وضيعة محروسة لا يحق لأحد، سواء كان من الموالين أو الراّفضين، أن يقتربَ من عتباتها. ومن عجائب هذا البلد الأمين أن عددا من الوزراء والمسؤولين «السامين» يشتكون من كون التلفزة- بشقيها الرباطي والبيضاوي- تقاطع أنشطتهم، هُومَا دِيمَا ناشطين، وتُعتم على صورتهم. لكن هؤلاء، على كل حال، لا يمتلكون الشجاعة لتقديم شكاوى طلبا للإنصاف بْلا ما تتكلموا على تقديم الاستقالة... فما بالك بمن يمتلك رأيا آخر وخطابا مُغايرا للخطاب الرّسمي و«خطة طريق» لمغرب متوازن لا تستفحل فيه الفوارق ولا يزداد فيه الفقراء فقرا والأغنياء غنى. والآن، ما العمل بعد أن غرقت الشركة في الإفلاس المبين الذي ما بعده إفلاس؟ ونحن نرثي حقا لمن سيأتي إلى مواقع «المسؤولية» خلفا ل«الطاقم» الحالي، المهزوم والفاشل، إذ إنهم سيضطرون إلى تدبير مرحلة ما بعد الإفلاس. وهي مهمة تعجيزية ستزداد حدة إذا ما استمرت القرارات في التهاطل بغزارة من فوق. وأتذكر بالمناسبة قولة «حكيمة» اكتفى أحد كبار المسؤولين منذ سنوات بالتفوه بها بعد اطلاعه على واقع الإذاعة والتلفزة، وهي: «لا يمكن علاج السرطان بالأسبرين»، وبعدها سكت عن الكلام المباح، وهو صمت خرقه بشجاعة شباب «الفيس بوك» الذين أعلنوا أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في هذا الوضع التلفزي المُشين والمرفوض، فخذوا الحكمة والموعظة من أفواه أبنائكم وأحفادكم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه!