حين قام الرئيس المصري حسني مبارك بحجته الأخيرة «الوداعية» إلى واشنطن حمل في حقائبه حزمة أفكار مذهلة قادرة في نظره على إسكات وإفحام مخاطَبيه الأمريكيين في البيت الأبيض المولعين ظاهرا بالحديث عن الحرية والديمقراطية والانتخابات النزيهة وحقوق الإنسان. كان «الحج» إلى واشنطن ضروريا بالنسبة إلى رئيس حكم مصر بيد من حديد طيلة 27 سنة عبر قانون الطوارئ الذي يبيح المحظورات، وحرص الرئيس الذي شارف على سن ال82 عاما على تذكير «الشاب» باراك حسين أوباما بأنه مُجبر على مراجعة الأولويات الأمريكية في مصر والمنطقة العربية برمتها وإلا أسفر الخطاب «الديمقراطي» الأمريكي عن زلزال حقيقي في الشرق الأوسط سيعصف بدول المنطقة وبالمصالح الأمريكية هناك إلى الأبد. وحجته في ذلك أنه إذا ما تم إجراء انتخابات حقيقية في مصر «المحروسة» بقوانين الطوارئ وقمع الحريات، فستسفر هذه الانتخابات بما لا يدع مجالا للشك، عن فوز ساحق للمعارضة ولأحزاب ذات توجه إسلامي، وهو ما سيعني بالضرورة إلغاء اتفاقية السلام مع الكيان الإسرائيلي وتهديد أمن الصهاينة. ولن تتوقف الأمور عند هذا الحد إذ إن سقوط النظام المصري «المعتدل» سيعني بالضرورة سقوط أنظمة دول الجوار العربية بأكملها، مما سيؤدي إلى استئساد «المتطرفين المصريين» على إسرائيل ودول الغرب الأمريكي والأوربي. وهي حجة واهية بطبيعة الحال لأن الغرض منها هو عدم إقامة انتخابات حرة ونزيهة. قدم حسني مبارك للرئيس أوباما مشهدا من مشاهد يوم القيامة وأدخل في قلبه الرعب والخوف (وكأن أمريكا ستخاف من حسني مبارك ولا تعرف أنه يراوغ ويبرر حكمه المطلق وتزويره للانتخابات). حاول الرئيس المصري «تخويف» أوباما على مصير المعشوقة الأمريكية التي اسمها إسرائيل، والتي عمل حسني باراك – عفوا- مبارك على تحصين مواقعها بفرض حصار مصري قاتل على قطاع غزة. وقد لقي التحذير المصري الصدى المطلوب لدى أوباما الذي أشاد ب»حكمة الرئيس مبارك وثمَّن «ريادة» مصر للعالم العربي». وهذا يعني أن رجل البيت الأبيض وقَّع شيكا على بياض لزميله المصري الخالد في موقعه (تصوروا لو كان باراك أوباما مصريا هل كان سيصبح رئيسا لمصر من خلال انتخابات نزيهة ضد الرئيس مبارك)؟ على كل حال سيبقى مبارك رئيسا بمباركة أمريكا والإيباك الصهيونية في انتظار أن يَسَلِّم مفاتيح «مملكة» مصر لابنه جمال مبارك بصفته الضّامن الوحيد لاستمرار سياسة الأمر الواقع وضبط «الأنفاس»، وهي سياسة ذات أضلاع متعددة وعلى رأسها أمن إسرائيل ووضع المزيد من المتاريس في وجه «الزحف» الإيراني، وأخيرا الإبقاء إلى أبد الآبدين على المصالح الأمريكية في المنطقة.