عشق المولعون بالقصيدة المغناة نبرات عبد الهادي بلخياط الشاذية ب«القمر الأحمر» و«الشاطئ»، وتعلق به عشاق الزجل المغربي عندما يعبر عن عشق الذات والآخر في «قطار الحياة» و«الصنارة» و«ما تاقش بيا»، ويسبحون في الإحساس الذي يمنحه بلخياط قائلا بالحنجرة المعشوقة: «الله الله يا داك الإنسان على زين فيك الهمة والشان، النخوة والتيهان حالك مواتيك، وعلي الله يهديك يا داك الإنسان لما شفت الزين، يا قرة العين قلبي ضاع مني وصبح مملوك وعندي قلب حنين، يهرب منك لين عصفات بيه المواج وصبح مشروك زينك تعدى وفات المدى يا داك الإنسان سلب عقلي ضيع راحتي خلاني ولهان...» عن هذه الأغنية يقول ملحنها أحمد العلوي، في تصريح ل «المساء»: «هذه الأغنية عمرها الآن 23 سنة، ولقد ولدت في مدينة «بوعرفة»، وهي قصة حدثت لي مع الممثل محمد الجم، إذ في أحد الأيام مرت أمامنا سيدة جدابة للغاية، فالتفت إليه وقلت عبارة يرددها أعضاء الجوق الوطني: «على زين فيه» بنطق مألوف، وبعدها ذهبنا عند الطيب لعلج، وجلسنا في مكتبه وحكينا له القصة، وقلت: «على زين فيه يا السي احمد»، فانحنى برأسه وبدأ يكتب: «الله الله يا داك الإنسان وعلى زين فيك.. الهمة والشان، والنخوة والتيهان... وأنا عطشان مشوق لهفان، وانت علي الله يهديك» فحذفت صيغة «أنا عطشان» لأنه تعبير موحى بأشياء قد تبدو غير مطلوبة، فأخذت المقطع الأول وبدأت ألحن. ويضيف العلوي: «من طرائف هذه الأغنية أنني كنت أرددها في بيت الراحل أبو الصواب الذي ساعدني في إخراج الأغنية إلى الوجود، وفي أحد الأيام التي كنت أقصد فيها بيت أبو الصواب الذي كان يعد لنا «الطاجين»، تأملت صورة إلتقطها مصور مبدع، إذ اقتنص فيها مشهدا يظهر رأس أبو الصواب من بين قدميه اللتين انتعلتا بلغتين كبيرتين، فبدا رأسه الأصلع كبيرا للغاية، فقلت له: الله الله يا أبو الصواب، يا صلع الراس على بلغة في رجليك». «وأتذكر عن ميلاد الأغنية أنه في سنة 1986 حينما قصدنا مدينة بوعرفة في إطار سهرات الأقاليم، وكنت سأشارك رفقة لطيفة رأفت في أغنية «يا دنيا كنا حباب»، وهذه السهرة كانت لها أهداف سياسية بحكم أنها كانت موجهة إلى الجزائر، وأتذكر أن الحرارة بلغت 7 درجات تحت الصفر، لهذا اجتمع العديد من الفنانين من بينهم عبد الرفيق الشنقيطي والطيب لعلج وعبد الهادي بلخياط وعبد القادر الراشدي، لنملأ الفراغ، وننسى درجة الحرارة، في هذه اللحظة، قال الطيب لعلج لبلخياط: «العلوي عندو قطعة ديال الهبال انت ولد المعلم وأنا عارفك معلم وغادي تكون معلم كبير إلا مخلتيش هاد القطعة تهرب من بين يديك»، وبعد سماعه لهذه الكلمات، طلب بلخياط أن أغني مقطعا منها على العود، وقال لي: «وكلت عليك الله، فهذه القطعة سكنتني»، يقول العلوي، ويضيف: «من غريب الصدف أن الأغنية حفظت في بوعرفة، وبعدما عدنا إلى الرباط، وبدأنا نتمرن رفقة الجوق، وقع نقاش مع عبد الهادي بلخياط، فغضب وطلب من ضابط الصوت أن يجمع ما سجل، وسافر إلى البيضاء، هذا الغضب مرتبط بكون عبد الهادي كان يحب أن تكون الأغنية مميزة، إلا أنه بعد مضي شهرين من الزمن، تدخل الصحافي عبد الرحمن مجد لتقريب وجهات النظر، فتم اللقاء من جديد بيني وبين عبد الهادي بلخياط واتفقنا على دخول الاستوديو، وأتذكر أن اليوم كان يوم جمعة، في ذلك الوقت التحقت صباحا بالأستوديو، ومن حسن الصدف أن لطيفة كانت تسجل أغنية «أنت أملي»، وبعد أخذ ورد، أقنعت الجوق الملكي بالتمرين، وفي الساعة الثالثة، حضر عبد الهادي للتسجيل ودخلنا الأستوديو ولم ينطق بلخياط بأية كلمة، فأخذ الميكروفون وقال بسم الله، ولم يتوقف وانتهينا من التسجيل في ظرف نصف ساعة، مع الإشارة إلى أن هذه الأعمال تحتاج إلى أربع أو خمس ساعات. وبلغة واثقة ينبش العلوي في ذكريات أغنية «يا داك الإنسان» قائلا: «هذه الأغنية أعجب بها العديد من الفنانين المرموقين، ومن بينهم الملحن المصري الكبير بليغ حمدي، إلى درجة قال عنها حينما سمعها في جلسة خاصة مع بهجت الموقف، وكان معنا محمد الزياني، أول مدير للتلفزيون ومدير المركز السينمائي المغربي سابقا: «لا يمكن أن يبدع فيها إلا فنان مغربي»، وهذا بالنظر إلى تركيبتها اللحنية ونمط الاشتغال عليها، مع الإشارة إلى أن بليغ حمدي جاء خصيصا للاستماع إلى الأغنية..