لا أعرف ما إذا كان ذلك بسبب ابتسامتها أم لأنني أدركت أنني لا أملك خيارا آخر، لكنني بسهولة مدهشة اعترفت أنني ذاهب إلى المطار. بطاقتي البرتقالية تغطي أربع مناطق فقط، بينما يوجد رواسي شارل دوغول في المنطقة الخامسة. نبّهتني المراقبة إلى ذلك دون أن تتخلى عن ابتسامتها. لم أجد ما أقوله. هززت أكتافي وظهر عليّ الحرج. لقد وقعت في الشبكة. ثمن التذكرة من باريس إلى مطار شارل دوغول مرتفع جدا قياسا إلى باقي الاتجاهات. كأنك ملزم بتأدية ضريبة ما عندما تكون مسافرا. كما لو لتكفر عن متعة ما أو لتتضامن مع الذين ليس بوسعهم السفر. أو كأنهم في ال RATP وال SNCF، يتذكرون أنهم لم ينهبوك بما يكفي، فيقررون أن تدفع الثمن وأنت تغادر... أنا تحدّيتهم، ولم أشتر تذكرة ! يقطع القطار B مسافة طويلة قبل أن يصل إلى المطار المرمي في أقاصي شمال العاصمة. إذا ركبت من لاغار دو نور، مثلي، لا بد أن تمر من أولناي سوبوا وفيلبانت وسوفرون بودوت ولوبورجي... قبل أن تصل إلى رواسي شارل دوغول تيرمينال 1، ثم رواسي شارل دوغول تيرمينال 2. ومثلما ثمة أيّام ومدن لونها أسود، هناك محطات أيضا. محطات تكيد لك كما يفعل أي عدو تافه. مثل محطة سوفرون بودوت: في هذه المحطة اللعينة فاجأني مراقبو التذاكر. طلعوا علينا مثل قطّاع طرق بزي موحد. فكّرت أن أكذب وأدَعي أنني سأنزل في المحطة القادمة. علْما أن تذكرتي البرتقالية، التي أشتريها كل شهر، تسمح لي بالتنقل حتى تلك المحطة. لكنّني تراجعت بسرعة لأنني أدركت أنني قد أضيع موعد الطائرة كما أن حقيبتي ستفضحني! فوجئت بمراقبة شقراء تطلب مني التذكرة وهي تبتسم. سألتني عن وجهتي وهي تتفحص بطاقتي البرتقالية. لا أعرف ما إذا كان ذلك بسبب ابتسامتها أم لأنني أدركت أنني لا أملك خيارا آخر، لكنني بسهولة مدهشة اعترفت أنني ذاهب إلى المطار. بطاقتي البرتقالية تغطي أربع مناطق فقط، بينما يوجد رواسي شارل دوغول في المنطقة الخامسة. نبّهتني المراقبة إلى ذلك دون أن تتخلى عن ابتسامتها. لم أجد ما أقوله. هززت أكتافي وظهر عليّ الحرج. لقد وقعت في الشبكة. سأدفع ثمن تهوري غاليا. كان بإمكاني شراء التذكرة. لكنني طمّاع. مصاريف السفر والإقامة في كندا تكفلت بها جمعية تعنى بالتعاون الفرنسي- الكيبيكي. علاوة على ذلك نفحتني ستيفانيت، مديرتنا، ثلاثمائة أورو مصاريف جانبية: كان باستطاعتي أن «أقطع» تذكرة وأسافر في سلام كأي شخص محترم... أتعجب كيف لم أفعل؟ يبدو أن الحضيض الذي جئت منه سيظل يسحبني نحوه إلى الأبد! لأدفع الآن ثمن تذاكر كل المهاجرين الأنذال الذين لم يشتروا قسيمة نقل في حياتهم. لأدفع تذاكر المحتالين المحترفين الذين لا تربح معهم شركات المترو والقطارات والحافلات غير المشاكل... لم أكن منزعجا لأنني سأدفع. شعرت فقط أنني تافه وحقير وجبان وقطّاع طريق من الصنف الرديء. تمنيت لو تهوي على خدي كفّ غليظة كي أتأدب ولا أعود ثانية إلى ما فعلت. أحسست أنني مجرد حشرة، صرصار مقزّز، وتمنيت لو أن قدما ثقيلة تسحقني. وسرعان ما غادرني الشعور بأنني وقعت في مطبّ. انتظرت أن تعطيني المراقبة محضر الخرق وتطلب مني ستين أورو كغرامة مرشحة للارتفاع إذا لم أدفعها في الحين. لكنها أخرجت تذكرة وقالت لي: Je vais vous donner juste un ticket ordinaire pour Charles-de-gaules...Ok ? 7 euros s’il vous plait ! لم أعرف كيف أردّ، لكنني أحسست أنني تخلصت من ورطة حقيقية وأقسمت ألا أضع نفسي مرة أخرى في مواقف سخيفة مثل هاته. سلّمتها سبع أوروات وشكرتها بحرارة. طوال ما تبقى من الطريق، بقيت مشدوها أفكر في التذاكر والمراقبة الشقراء وابتسامتها وفي النذالة والكذب والتخلف والقذارة والحضيض وفي الصراصير... وأتأمل كيف يلقننا هؤلاء الفرنسيون كل يوم درسا جديدا في التحضّر!