نعيد مشاهدة مباريات المنتخب المغربي لكرة القدم، خلال مونديال مكسيكو 86، فنبتسم، في زهو، حين ينسل عزيز بودربالة راسماً شوارعَ من المراوغات، أو يقف عبد المجيد الظلمي بانحناءة ظهره الجميلة مصراً على ضبط إيقاع وسط الميدان، أو يرد بادو الزاكي كرات الإنجليزي لينيكير أو الألماني رومنيغه. على حلبات الركض والجري، تحدى سعيد عويطة، على امتداد السنوات والسباقات، عرق الكينيين وقامات البريطانيين، وحين تعب العالم من مجاراته لم يجد هذا الفتى الرائع بدا من أن يجاري نفسه ويتحدى خطواته والعداد محطماً الرقم القياسي تلو الآخر، حتى صار أسطورة. وحين اعتزل الركض وجد نفسه يخوض سباقات جري أخرى، على حلبات من نوع آخر!. ورغم كل شيء، بقي اسم عويطة محفوراً في ذاكرة المغاربة وكل العالم، عملاقاً لم يحجبه الاعتزال ولا «الحروب»، التي أعلنت عليه في السر وفي العلن. قبل يومين، تابعت، على القناة الأولى، برنامجاً وثائقياً، في ذكرى الفنان المغربي الراحل محمد الحياني. كان عنوان البرنامج: «فى الذاكرة»، وهو البرنامج ذاته، الذي منحنا، قبل أسابيع، لحظات جميلة عن حياة الكاتب الراحل محمد شكري. وسواء تعلق الأمر بالفنان محمد الحياني أو بالكاتب محمد شكري، أوبغيرهما، فإن المسألة، بالنسبة إلى عموم المغاربة، لا تعدو كونها احتفاء بأرض استطاعت، على الدوام، أن تنجب رجالا ونساءً، يستطيع الواحد منا أن يتباهى بهم كلما وقف في محفل إقليمي أو دولي. في حقل الطرب، يغني عبد الهادي بلخياط «ياذاك الإنسان» فيتمايل الحضور طرباً، وتغني نعيمة سميح «غاب عليّ لهْلال» فيهتز الجمهور لصوت يهز المشاعر، وحين يصدح العربي باطما بمواويله، ترتفع مشاعر السامعين إلى السماء : «يا صاح راني وسْط الحملة». في حقل الرياضة، مع عبد المجيد الظلمي، لا يمكن أن نجد على امتداد جغرافيا الوطن من يخوض في سيرة هذا «المْعلم» بالسلب والانتقاد، لاعباً وإنساناً: لاعبٌ لا يتكلم إلا قليلا، مع أن مساره كان ولا يزال يخول له أن «يثرثر» متى وكيف شاء. مع نعيمة سميح، يمكن أن تسير بك الألحان والكلمات عبر ربوع الوطن من دون أن يعرض أحد عن سماع بحّة رائعة وصوت فاتن. مع بادو الزاكي، وحدهم الراسخون في ميدان «اللعب»، في المياه الراكدة، من يعاند، فيقذف حارس مايوركا بالكلام غير اللائق: رياضي كبر في الأعين حارساً ثم مدرباً. ولأن النجاح، في عالمنا الثالث، لا يتعايش مع نظرة من مارس وجرب فكر الاحتراف، على أعلى المستويات، فقد كان ما كان من أمر المنتخب الوطني ومسيريه ولاعبيه ومشجعيه : فمنهم من حفر الحفر، ومن انفعل أو غضب، ليترك الزاكي الجمل بما حمل، قبل أن يفيق الجميع على منتخب يتعادل حين يكون في حاجة إلى انتصار تافه، وينهزم حين يكون في حاجة إلى تعادل أكثر تفاهة. محمد الحياني، محمد شكري، محمد خير الدين، عبد الله راجع، أحمد المجاطي، سعيد عويطة، حسن الصقلي، كما عبد المجيد الظلمي وبادو الزاكي ونعيمة سميح والعربي باطما ومحمد التيمومي، وكل المحبوبين، على امتداد هذا الوطن، الأحياء منهم والأموات، يعرفون أن كتب التاريخ وحدها تبقى على خطى الرجال. بمثل هذه الأسماء وغيرها، صرنا نمد نظرنا في ذاكرة زمننا المغربي المعاصر فنحقق إجماعاً على قدرة البلاد على منحنا فسحة للفرح الثقافي والفني والرياضي، وأسماء نداوي بها بعض آلامنا وإخفاقاتنا. بمثل هذه الأسماء، وغيرها، نقتنع بأن الأرض التي أنجبت كاتباً متميزاً من قيمة محمد شكري أو محمد خير الدين، وشاعرا كبيراً من قيمة أحمد المجاطي أو عبد الله راجع، وفناناً متفردا، من طينة العربي باطما أو محمد الحياني، أو حارساً عملاقاً، من طينة بادو الزاكي، أو مراوغاً كبيراً من طينة عزيز بودربالة أو محمد التيمومي، لا يمكن إلا أن تجدد الوعد في مستقبل يربط السابق باللاحق. بمثل هذه الأسماء، وغيرها، لا يمكن إلا أن نمني النفس بغيمة تعلن شتاءً ممطراً، مع وعد بموسم قطاف ينتهي بأعراس كثيرة وخير عميم.