دعا سعد الركراكي، أستاذ العلاقات الدولية، المغرب إلى سن سياسة هجومية في ملف الصحراء المغربية لإيجاد حل لهذه القضية التي طال أمدها، مؤكدا أن مقترح الحكم الذاتي هو آخر حل قانوني يمكن للمغرب أن يقدمه، معتبرا إياه نوعا من أنواع تقرير المصير. وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن البوليساريو غير قادرة على خوض مفاوضات حقيقية ولا على طرح بديل يحرج المغرب. - كيف تنظرون إلى آفاق اللقاء غير الرسمي الذي سيعقده المغرب مع البوليساريو اليوم وغدا؟ > أعتقد أننا وصلنا حاليا إلى الباب المسدود، فالمغرب ليس له استعداد ليقدم تنازلات ولا الطرف الآخر قادر على الدخول في مفاوضات حقيقية، لأن الموقف الجزائري هو الضاغط، ولذلك فكل من البوليساريو والجزائر يدوران في حلقة مفرغة، إلى جانب أن البوليساريو غير قادرة لا على خوض مفاوضات حقيقية ولا على طرح بديل يحرج المغرب، لذلك فإن الأطراف الأخرى هي المعنية بالدرجة الأولى، ولا توجد دولة في العالم قدمت مقترحا من الناحية القانونية مثل مقترح المغرب، فهذا أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب. ولا بد من الإشارة إلى أن الجزائر هي التي تتحكم في «أوراق» الملف لأن البوليساريو مجرد دمية في يد الجزائر تصنع بها ما تريد، وتختار الظرفية المناسبة لتحركها أو تطلب منها السكون حسب ما تقتضيه مصالحها، على الرغم من أن الموقف الجزائري من هذا الملف هو عكس مصلحة المغرب العربي على وجه الخصوص والعالم العربي والإسلامي بصفة عامة. ولو كانت دولة عظمى ترغب في توظيف دولة للقضاء على وحدة المغرب العربي وعلى آفاق تطوره الاقتصادي والتعاون في ما بين دوله، لما وجدت أحسن مما تصنعه الجزائر الآن بالمجان تجاه ملف الصحراء المغربية. - بعد انتخاب باراك أوباما كرئيس لأمريكا، ألا تتوقعون أن يعرف هذا الملف حلا نهائيا؟ > أنا من الذين يؤمنون بأن مشاكلنا لن تحل على يد غيرنا، صحيح أن أمريكا دولة عظمى ونحن ليس كذلك، فهذا قدرنا، ولكن أن ننتظر الحل من دول عظمى فهذا أفظع خطأ نرتكبه، لأن الدول العظمى لن تحل المشاكل إلا من وجهة نظر مصلحتها، فمثلا لو كانت لأي دولة من الدول العظمى مثل فرنسا وإسبانيا وغيرهما من الدول المؤثرة في الملف مصلحة كبيرة وآنية بخصوص ملف الصحراء، لتمت تسوية المشكلة بشكل سريع، غير أنه طالما ليست لها مصلحة ماسة سواء اقتصادية أو غيرها من المصالح، فإنها تعمل بالمثل الإنجليزي القائل «نترك الأمر على حاله ولننتظر ماذا يقع». وفي نظري، إذا لم ينهج المغرب سياسة هجومية في قضية الصحراء، فإنني لا أتصور أن هناك حلا سيأتي من الدول الغربية إلا إذا كان في مصلحتها. وأرى أنه على المغرب أن ينهج سياسة هجومية لإيجاد حل لهذه القضية التي طال أمدها، إلا إذا كانت السياسة الحالية للمغرب مقصودا منها «تعفن» القضية، وإن كانت مثل هذه السياسة لها إيجابياتها وسلبياتها. - لكن الدول العظمى لها يد في مسار الملف، ألا تعتقد أن الوضع يخضع لتأثيرها؟ > طبعا لها دور للأسف الشديد، طالما أن هناك أجنبيا يضع كل ثقله في ميزان قضايا تهمنا كعرب وأفارقة. إن مصيبتنا تكمن في أننا لا نستطيع وضع حد لهذا التدخل الأجنبي الذي ينطبق عليه المثل المغربي القائل «يدي ويد القابلة يخرج الدري عور»، لأنه كلما كثر المهتمون بالموضوع وكل يدلي بدلوه، كلما تم تجاه لموقف المغرب وغيره ويصبح المغرب يلهث وراء من يسعفه، ويسمعه ويساعده ويفقد زمام الأمر فهذه مصيبة وهذا ما يعيشه المسلمون في فلسطين. فمنذ ستين سنة وهي تتطلع إلى من يحل لها المشكل مع أنها قادرة على حل مشكلها بنفسها غير أنها لا تريد اتخاذ مبادرات بنفسها. - ما هو الدور الذي يمكن أن يقوم به المبعوث الأممي الجديد كريستوفر روس لحل الملف؟ > المبعوث الأممي الجديد لا دور له إلا ما تقبله منه الدول أو تقبله منه الأطراف، وهذا يمكن أن يقرب بين المواقف وأن يلعب دور الوسيط، فهو ليست له عصى سحرية ولا حرية مطلقة في اتخاذ القرار السياسي لإرغام الأطراف على الانصياع لحل ما، وبالتالي لا يمكن أن يؤثر على المغرب أو يضغط عليه، ولا على الجزائر ولا على محميتها البوليساريو، فالمبعوث الأممي ليس سوى وسيط يقرب بين المواقف، ويرفع التقارير، ونحن نعرف دور الأممالمتحدة المتمثل في إقبار الملفات. - هل للجزائر دور حاسم في الموضوع بدرجة كبيرة؟ > للأسف الشديد فالجزائر ما زالت تسيطر عليها فكرة أنها دولة قامت على أساس ثورة وعلى أساس محاربة الاستعمار، وهذه إيديولوجية أكل عليها الدهر وشرب، ومازالت تخضع إلى حكم الجنرالات الذين يسيطرون عليها وعلى دواليب الحكم بخصوص هذه القضية، فهم لهم مصالحهم غير المصرح بها، والتي ترتبط في كثير من الأحيان بالشخص أكثر من القضية. وطالما أن الجزائر يسيرها جنرالات والشعب سيكون مصيره أيضا معلقا بقراراتها، وهذا تشنج وتخلف إلى الوراء. ويبقى السؤال المطروح لماذا لم تستوعب الجزائر بعد أن الضغط على المغرب منذ 30 سنة، لن يجعله يستسلم أو «يثني الركب»؟ ألا ترى أن ما تقوم به لا يخدم أبدا لا مصالحها ولا مصالح العالم العربي والإسلامي؟! - ما هو تصوركم لحل هذا الملف؟ > هذا سؤال عجز عن الإجابة عليه رؤساء الدول، فمن وجهة نظر قانونية وبعد استراتيجي محض، لا يمكن تصور حل قانوني أكثر مما اقترحه المغرب، فالجزائر والبوليساريو ارتكبتا خطأ فظيعا لعدم قبولهما لهذا الحل، فهذا الاقتراح لم يسبق له نظير، حتى أنه في وقت من الأوقات كنت أعتبر أن المغرب أخطأ عند تقديمه لهذا المقترح، ولذلك فأكثر من هذا الحل «مافيش» بتعبير المصريين، فالحكم الذاتي هو نوع من أنواع تقرير المصير، ولا يوجد بعده سوى « الاستقلال»، وهذا خط أحمر لن يقبله المغرب.