في الوقت الذي توصل فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة برسالة تهنئة من الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لتأسيس اتحاد المغرب العربي، كانت رسالة تهنئة أخرى قد بعث بها بوتفليقة إلى رئيس جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز بمناسبة حلول الذكرى ال32 لإعلان الجمهورية الصحراوية. رسالة محمد السادس أبدى من خلالها حرصا شديدا للعمل على رفع كل العراقيل الموضوعية والذاتية التي تقف في وجه مسيرة العمل المغاربي المشترك، واستكمال تشييد هذا الصرح الاستراتيجي الذي عبر حياله عن قناعة خالصة بأن لا محيد عنه في أفق تبوئه المكانة الجديرة به، كتكتل وازن في محيطه الجهوي والدولي، وفي عالم لا مكان فيه للكيانات الهشة أو المصطنعة ولا تؤمن إلا بالاتحادات والتجمعات القوية. مقابل هذه الرسالة، عبر بوتفليقة في رسالته إلى زعيم البوليساريو عن أمله في أن تسفر الجولة الرابعة من المفاوضات بين الجبهة الشعبية والمغرب، المقرر عقدها بمانهاست في مارس القادم، عن حل سياسي يقوم على منح حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وعن أمله في أن «تمكن هذه الجولة من التوصل إلى حل سياسي يقوم على تقرير شعب الصحراء الغربية لمصيره»، حسب تعبيره، وأكد أن «الجزائر تظل متمسكة كل التمسك بنهج الأممالمتحدة في مجال تصفية الاستعمار»، مجددا «مساندتها لجهود المجموعة الدولية الرامية إلى تفعيل هذه المبادئ وتصفية الاستعمار تصفية كاملة ونهائية». ويرى أحد المختصين في القانون الدولي والعلاقات الدولية، في الموقف الذي أبداه بوتفليقة قبيل بدء المفاوضات، نوعا من التصعيد الذي يتم التعبير عنه عادة من أجل التأثير على مجرياتها. واعتبر سعد الركراكي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح ل«المساء» أن موقف الجزائر يبقى موقفا شاذا وغير قانوني ولا مستقبل له داخل المنطقة المغاربية ولا حتى بالنسبة إلى منطقة العالم العربي، التي صارت ترفض فكر التشرذم. مضيفا في السياق ذاته أن سياق المواقف الجزائرية تجاه النزاع حول الصحراء يدخل في اتجاه الفكر الكولونيالي الذي يتبناه جنرالات هذا البلد، مبرزا أن المنطقة العربية لم تعد في حاجة اليوم إلى خلق كيانات جديدة كما لا تحتمل إحداث تقسيم في ما هو مقسم أصلا. وبخصوص ما ورد في رسالة بوتفليقة، التي ذكر فيها بالعدد الكبير من الدول التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية إبان إعلان قيامها من طرف واحد سنة 1976، أوضح الخبير في شؤون العلاقات الدولية أن مسألة الاعتراف بدولة ما تبقى مسألة تقنية سياسية، وليست قاعدة قانونية، وأنه لا تكفي أن تعترف الجزائر أو حتى 100 دولة معها لكي تكون هذه الدولة حقيقة موجودة، وإنما الذي يتحكم في ذلك هو الحقيقة الموجودة على الأرض، وإلا فإنه باستطاعة أي كان أن يحشد مجموعة من الناس ويمنحهم بقعة أرضية، ويسعى إلى جلب اعتراف الدولي لهم حتى تكون لهم دولة. وحول مطلب حق تقرير المصير، الذي شدد عليه بوتفليقة في رسالته، أوضح الركراكي أن هذا الأمر يعتبر حقا قانونيا ثابتا، لكنه لا يتحقق بالضرورة عبر الانفصال أو الاستقلال، مبرزا أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يعتبر تقنية من التقنيات المعتمدة لتجسيد هذا الحق، مشيرا إلى أن الأطراف التي تتشبث بهذا المبدأ لازالت لم تفهم بعد أن تقرير المصير يعد قاعدة قانونية قارة ودائمة، تمكن الشعوب التي تختار تقرير مصيرها بنفسها من اختيار تقنيات كثيرة ومتعددة، على أن أحسن هذه الطرق يبقى دائما هو الحكم الذاتي.