يتوقع أن يشرع اثنان من أساتذة وحدة التكوين والبحث بكلية الطب والصيدلة خلال الشهر المقبل في المرحلة الأولى من بحث جامعي، ربما يكون الأول من نوعه في المغرب، لمعرفة درجة التسمم التي قد توجد في نبات النعناع الذي يستهلكه المغاربة على نطاق واسع. وسيبحث كل من عزيز بوكلوز ويحيا الشراح، وهما مختصان في علم التسمم والصيدلة، درجة تركز مادة أيونات النترات، وهي مادة ضارة بالصحة البشرية، في نبات النعناع نتيجة استعمال بعض أنواع الأسمدة. وفي هذا الصدد يقول عزيز بوكلوز، في تصريح ل «المساء»، إن بعض مناطق إنتاج النعناع الخشن، المطلوب من لدن المستهلكين، تعرف استعمال بعض الأسمدة المليئة بأيونات النترات، ويتعلق الأمر بالشريط الساحلي من الغرب إلى المحمدية، وأيضا بجهة الشاوية. البحث الأكاديمي يرمي إلى التدقيق فيما إذا كان النعناع المستهلك في المغرب يحتوي على نسبة من التسمم تضر بصحة الناس.ويتضمن البحث مراحل ستنطلق أولاها خلال شهر شتنبر المقبل، بحيث ستجمع المعطيات من كل جهات المملكة لإنجاز خريطة حول النعناع بالمغرب ودرجة تركيز النترات على نباته، ومقارنة ذلك بالمعايير الدولية التي وضعتها المنظمة العالمية للصحة فيما يخص نسبة تركيز النترات في الأسمدة، وهي المرحلة الثانية. وفي المرحلة الثالثة ستجرى تجارب سريرية على عينة من مستهلكي الشاي بالنعناع وأخرى تشرب الشاي دون نعناع لمراقبة التأثيرات في كلا الحالتين، والبحث عن مدى وجود علاقة سببية بين ما يشتكي منه بعض مستهلكي الشاي بالنعناع من آلام قرحة المعدة ومادة النترات في النعناع. وليست وحدها الأسمدة المستعملة في زراعة النعناع تشكل مصدر قلق حول تأثيرها على صحة المستهلك، إذ يشير عباس طنجي، وهو باحث زراعي من مدينة سطات سبق أن أنجز دراسة ميدانية السنة الماضية حول زراعة النعناع بإقليمسطات، إلى أن المشكل يكمن في الجهل بالاستعمال المناسب للمبيدات من لدن المزارعين والعمال الزراعيين، الذين لا يتقيد بعضهم بالكمية والجدول الزمني لاستعمال المبيد، وكذا الوقاية الضرورية المنصوص عليها في علبة المبيدات. ينضاف إلى ذلك عدم وجود مبيد خاص بالنعناع، حيث يستعمل مبيد للطماطم والبطاطس وخضروات أخرى، وتظهر الحاجة إلى مبيد خاص بالنعناع يزول مفعوله قبل عملية الجني ويزول معه الضرر المحتمل على صحة المستهلك، خصوصا أن جني النعناع خلال الصيف يتم بوتيرة مرة كل شهر أو شهرين، في حين ترتفع إلى 3 أو 4 أشهر خلال الخريف بين شهري نونبر وأبريل. وأشار الباحث في تصريح ل «المساء» إلى أن من الجوانب المهمة جدا في استعمال المبيدات هو توقيت الرش بالمقارنة مع المدة المتبقية على الجني، إذ من الضروري رش المبيدات قبل الجني بمدة كافية لتتلاشى معها هذه المادة، وهو ما يقتضي بالضرورة استعمال مبيد سريع التلاشي وليس مبيد الطماطم الذي لا يختفي إلا بعد مرور أشهر بالنظر إلى أن الدورة الإنتاجية للطماطم هي أطول بكثير من النعناع. هذه الشكوك والمخاوف ينفيها جملة وتفصيلا باعة النعناع الذين التقتهم الجريدة بأحد الأسواق الشعبية في مدينة سلا، فقد اعتبر أحدهم أن ما يقال حول ضرر النعناع على صحة الإنسان مجرد «دعاية مغرضة لا أساس لها من الصحة»، وأضاف وهو يرفع كأسا من الشاي موضوعا على الطاولة التي يعرض فيها بضاعته، أنه يشرب الشاي بالنعناع منذ الصغر ولا يشكو من شيء. فيما قال بائع آخر إن الذين يجدون آلاما عند شرب الشاي المنعنع يعانون أصلا من أمراض لا علاقة لها بالنعناع، ويتم إلصاق التهمة بالنعناع وهو منها بريء، مضيفا أنه لم يلحظ تراجعا في عدد المواطنين الذين يقبلون على شراء النعناع لديه، بل إن الكميات الكبيرة من النعناع التي تدخل يوميا سوق الجملة لبيع الخضر والفواكه في سلا تنفد بسرعة، و«لو كان هناك مشكل في استهلاك النعناع لما كان كل هذا الإقبال» يضيف البائع بنبرة واثقة. زراعة النعناع في أرقام تمتد زراعة النعناع في المغرب، حسب الباحث الزراعي عباس الطنجي، على مساحة 3000 هكتار، موزعة على مناطق سطات وبنسليمان والعرائش ومراكش ومكناس وأكادير، ومن بين 85 ألف طن التي يتم إنتاجها يصدر نحو 4200 طن. وأضاف الباحث في دراسته أن مزارعي النعناع يكثفون خلال الفترات الساخنة والجافة من استعمال المبيدات لمحاربة العدو اللدود لهذه النبتة، وهو الدودة الخضراء التي تلحق ضررا بالغا بها، إذ يشتكي منها نسبة 89 في المائة مثلا في إقليمسطات، إلى جانب حشرات وأمراض أخرى.