في واحتها الصيفية تعود «المساء» إلى أرشيف الأغنية المغربية لتنبش في ذكرياتها، وتكشف بعضا من المستور في لحظة إنتاج هذه الأغاني، من خلال شهادات شعراء وملحنين ومطربين ومهتمين كانوا شاهدين على مرحلة الولادة، شهادات تحمل لحظات النشوى والإمتاع في الزمن الجميل للأغنية، وأخرى تحرك جراح البعض الذين يصرون على البوح للقارئ رغم جرأة البوح وألمه في بعض الأحيان. «لمشاهب» اسم فني رديف بنظر البعض بالفقر والتهميش والسجن والتراث الفني المعارض. في سنة 1974 كتب محمد السوسدي أغنية «داويني»، أغنية أثارت نقاشا حقيقيا لعدة عقود حول كلماتها ودلالتها وأبعادها المجتمعية والسياسية، هي الكلمات التي يقول فيها: « داويني كان ريت للعذاب سباب... كلما نكول عييت عاد بديت في العذاب حطوني وسط الحصيدة نشا لي يا بابا... يعلم الله في المصيدة الكلوب الكدابا كيف نارهم تكدينا... ظلمو فين غاديين بينا الهم تحدى البارح وزاد يوم واش هاد المحنة وأنا قلبي معدوم ويا خياتي فين جيت أنا بين ساداتي العفو اللي جانا واحيدوس.. واحيدوس.. واحيدوس العفو يا بابا واش الحق يزول الكلوب الكدابة نساونا في المعقول غادي نبكي وجاي نبكي ويامي كلها بكا لمن نشكي ولمن آش اقضا اللي شكا والشكوى للناس كاملين» عن الأغنية، يقول مبارك الشادلي عضو فرقة «لمشاهب»: «هي أغنية تحكي عن المعاناة، أغنية يمكن إسقاطها على مختلف المواضيع، دون تحديد طبيعة هذا الموضوع. هذه القطعة عكست محطة من محطات المجموعة تختلف عن هذه المرحلة التي تعيشها فرقة «لمشاهب». هي المرحلة التي دخلت فيها «لمشاهب»- حسب ما صرح كسرا صلاح الدين- في تجربة المصالحة، وهو ما تكرس في التعامل الإيجابي للنداء الملكي سنة 2005 الخاص بالتنمية البشرية التي ساهمنا فيها من جانبنا بالمشاركة في جولات عن داء السرطان، وكل ما أدركناه مع الملك محمد السادس أنسانا عذابات الماضي» وفي رده على ما يروج في الساحة الفنية والأحاديث الشعبية من كون المجموعة سجلت الأغنية بلفظة «أحيدوه» بدل «أحيدوس»، قال كسرا: «يجب أن نقر بأنه في اللحظة التي أطلقنا فيها أغنية «داويني» كل واحد بدأ يطرح السؤال حول القصد منها، ويجب أن نستحضر اللحظة التاريخية والسياسية التي برزت فيها الأغنية، هي لحظة كانت فيها الأحزاب تستغل في خطابها السياسي أغاني المجموعات إلى درجة أن بعض الأحزاب التي كانت تقدم نفسها كأحزاب سياسية لم تتردد في استثمار أغاني المجموعات في حملاتها الانتخابية كتسويغ لخطابها، أما ما أثير حول تسجيل فرقة «لمشاهب» لأغنية «داويني» بكلمة «أحيدوه» بدل «أحيدوس» فهذا أمر عار من الصحة». وبلغة حاسمة يضيف كسرا: «يجب أن نعلم أن الفترة التاريخية التي أطلقت فيها الأغنية كانت مشحونة بالاضطرابات، وهل من المعقول-في نظرك- أن تقول المجموعة: «أحيدوه»؟ هذا غير مقبول، وهنا وجب توضيح نقطة أساسية هي أن مجموعة «لمشاهب» لم يتم اعتقالها على هذه الأغنية أو على أي أغنية أخرى كما يردد البعض، باستثناء ضغوطات واستنطاقات من لدن السلطات في بعض الأوقات، وهذا – بطبيعة الحال- لا ينفي القول إن المجموعة كانت تتعرض لمضايقة من التلفزيون المغربي على اعتبار أن لغة «لمشاهب» كانت صادمة». وفي رده على العلاقة بين مجموعة «لمشاهب» والملك الراحل الحسن الثاني، قال صلاح الدين كسرا: «هي علاقة احترام متبادل، ويجب ألا ننسى الإشارة إلى أن المشاهب حلوا ضيوفا على الحسن الثاني وغنوا أمامه أغنية «بغيت بلادي» خمس مرات وأعجب بها». ويأتي قول كسرا ليرد على ما ذكره محمد بختي، عضو مؤسس لفرقة «لمشاهب»، الذي كان قد صرح لعدة منابر إعلامية سابقا ( من بينها الجريدة الأولى سنة 2006) بكون الفرقة سجلت الأغنية في سنة 1976 في باريس بصيغة «واحيدوه»، دون أن يشرح ما المقصود من ذلك، وأضاف أن «المجموعة استبدلت لفظة «أحيدوه» ب«أحيدوس» بعد سنة أو سنتين من الحدث مراعاة للظرفية». وبصرف النظر عن هذا الحدث من عدمه، فتاريخ مجموعة «لمشاهب»- حسب متتبعين لمسارهم الإبداعي- كان موسوما بانتقاد الوضع السياسي والاجتماعي السائد لحظة انطلاقتها، وكان موسوما بالمضايقات التي جعلت أسماء المجموعة تأخذ بعدا أسطوريا نسج من خلاله الكثير من الجمهور المغربي حكايات، بعضها كان له تحقق وآخر كان مجرد تخيل أو حامل لآمال أو أحلام كانت في بعض الأحيان بعيدة عن مفكرة المجموعة. وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة «لمشاهب» انطلقت سنة 1972 من القرن الماضي وكانت تضم كلا من أحمد ومحمد الباهيري والشريف وسعيدة بيروك، قبل أن يلتحق بالمجموعة انطلاقا من فاتح ماي سنة 1974 محمد باطما، قادما من «فرقة تكادة» ومحمد السوسدي، وامبارك الشادلي من مجموعة الدقة، وبعد زواج سعيدة من باطما وإنجابها ابنا، غادرت المجموعة، فعوضت في الواحد والثلاثين من شهر دجنبر من سنة 1975، لينطلق مسار الفرقة. تركت المجموعة تراثا فنيا كبيرا أنتجت خلاله الروائع التي يحفظها جمهور الحي المحمدي والجمهور البيضاوي والمغربي، روائع من قبيل: «الخيالة»، «حب الرمان»، «مداحو»، «غارو منا»، «وعدي يا وعدي الصحراء»، «كولو ليا يا هلي»، «أمانة»، «خليلي»، «داويني»، «بغيت بلادي»... داويني كان ريت للعذاب سباب... كلما نكول عييت عاد بديت في العذاب حطوني وسط الحصيدة نشا لي يا بابا... يعلم الله في المصيدة الكلوب الكدابا كيف نارهم تكدينا... ظلمو فين غاديين بينا الهم تحدى البارح وزاد يوم واش هاد المحنة وأنا قلبي معدوم ويا خياتي فين جيت أنا بين ساداتي العفو اللي جانا واحيدوس.. واحيدوس.. واحديدوس العفو يا بابا واش الحق يزول الكلوب الكدابة نساونا في المعقول غادي نبكي وجاي نبكي ويامي كلها بكا لمن نشكي ولمن آش اقضا اللي شكا والشكوى للناس كاملين»