سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد أتركين: التحركات المكثفة تحولت إلى سلوك يومي مرتبط بوظيفة جديدة للملك الباحث في العلوم السياسية قال إن صك بيعة محمد السادس شكل قطيعة مع النماذج التقليديةللبيعة
نظمت جامعة الحسن الأول وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات في الشهر المنصرم ندوة دولية في موضوع « قراءات في عقد من حكم الملك محمد السادس»، شارك فيها باحثون من المغرب ومصر وفرنسا. في الحوار التالي يتحدث محمد أتركين، الذي شارك في الندوة، عن أهم الخلاصات. - مضت اليوم عشر سنوات على تولي الملك محمد السادس الحكم، ما هي القراءة الممكنة لحصيلة العهد الجديد. > من الصعب جدا تقييم حصيلة عشر سنوات من الحكم بشكل غير قطاعي، ولكن يمكن القول إنه خلال هذه الفترة فتحت آمال كبيرة للتغيير واقتحمت مجالات جديدة للفعل وخلقت دينامية ونقاش عمومي في كل ما اعتبر مسلمات أو ثوابت في تاريخ المغرب. فترة تميزت بالاحتكام إلى منطق الاستمرارية على مستوى القواعد الدستورية، ولكن أيضا بتجديدات مست الأسلوب، السياسات والنخب...لكن هذا المسار لم يكن دائما خطيا إذ تعرض لهزات كثيرا ما قرئت بأنها انتكاسة أو تراجع إلى الوراء أو خيبة للأمل. إن وضع المغرب خلال عشرية حكم العهد الجديد هو وضع جل أنساق الانتقال التي تعرف صراعا بين التغيير ومقاوميه، دعاة الانفتاح في مواجهة المحافظين، أنصار التوافق وحاملي فكرة الاحتكام إلى التطبيع في القواعد والمؤسسات. - هل كانت الصيغة الجديدة التي تمت بها البيعة بعد وفاة الملك الحسن الثاني تعبر عن تطور في مفهوم المؤسسة الملكية أم عن منطق الاستمرارية؟ > بالعودة إلى نص البيعة سنجده يحمل مجموعة من التغييرات غير المألوفة في صك من هذا القبيل، والتي همت الطريقة التي كتبت بها الوثيقة وطبيعة المبايعين، فبيعة 23 يوليوز 1999 قد قدمت على أنها «مراسيم» ولم تؤسس شرعيا إلا بنصين من الكتاب والسنة، واستحضر أثناء كتابة الوثيقة «مؤسسة ولاية العهد» التي أدمجت في البيعة، مما جعل البيعة ضعيفة على مستوى الصنعة البلاغية، وغابت فيها الوظائف الموكولة للسلطان ولم يتم التنصيص في حيثياتها على الأطراف المبايعة ولم ترسم لنفسها مرجعا فوقيا كما هو الشأن في «بيعة وادي الذهب» المحيلة على «بيعة الرضوان». فنحن أمام صك للبيعة بعيد عن النماذج التقليدية التي تعيد إنتاج بيعة نبي المدينة وتقطع مع النماذج الثورية المشروطة ومع أمثلة بيعات تحققت بفضل وساطة أطراف خارج معادلة حاكمين / محكومين، أما طبيعة المبايعين فقد تميزت بحضور بعض «المؤسسات» كالسلطة التنفيذية، البرلمان، المجالس العلمية، جهاز القضاء، المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية. وطرحت البيعة سؤال «التمثيل» بالنظر إلى حضور بعض الأشخاص (رئيس المجلس الدستوري، الحاجب الملكي ، مدير الأمانة الخاصة الملكية ومدير التشريفات الملكية ) ضمن الهيئة الجديدة «للحل والعقد». وبالتالي، فيمكن القول، إن نص البيعة عبر عن روح للاستمرارية، ولكن بتجديدات كثيرة والتي كانت نتاج تطور البناء المؤسساتي المغربي، لكن السؤال الذي شغل الباحثين آنذاك (يوليوز 1999) هو مدى رغبة أو استعداد الملك الجديد للعب دور أمير المؤمنين، وكانت هناك إجابات متسرعة من أمثلة ذلك ما كتبه الراحل ريمي لوفو «المغرب: سنة بعد وفاة الحسن الثاني»، حول علاقة الملك بدور أمير المؤمنين ما يلي «...إذا كان الكل يدفع الملك إلى ارتداء دور ولباس أمير المؤمنين، هناك سؤال يطرح نفسه هل الملك الحالي لديه رغبة للخروج منه؟ لا نتوفر الآن على مكونات للإجابة، هل هو مهيأ للعب الدور؟ هنا سيكون لي أول رد فعل حيث يمكن القول إنه أقل تهيئة للحكم مقارنة مع أبيه». وهي خلاصات أعتقد أنه تم تجاوزها بالنظر إلى التوظيف المكثف لقناة إمارة المؤمنين وقاعدة الفصل 19 لتدبير جملة من الملفات الموروثة كالأمازيغية، المرأة، عنف الماضي... -ما هي أهم المحطات التي ميزت هذا العهد عن العهد السابق في تقديرك؟ > تقدير أهم المحطات هو تقدير نسبي، ولكن يمكن أن نذكر من بين أهم المحطات ، حدث إقالة الراحل ادريس البصري، والتي مكنت الملكية من استرجاع الصلاحيات التي لم تنتقل إليها بشكل أوتوماتيكي سواء عبر قناة ولاية العهد أو صك البيعة، قرار حمل رمزية كبيرة، بإنهائه لمقولة «الرجل القوي»، إلى جانب هذه المحطة هناك محطات أخرى يمكن أن نجمعها في تدبير «الملفات الكبرى» والتي تجاوزت بمقتضاها الملكية إطار التوافق مع النخب التقليدية عبر الانفتاح على النخب الثقافية والحقوقية والنسائية، لكن تبقى محطة 16 ماي الأليمة، مهمة جدا بحكم أنها أنهت عمليا وضع «الاستثناء المغربي» وسرعت من وتيرة الإصلاح الديني وبينت ضرورة الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، يضاف إلى ذلك تقديم مقترح الحكم الذاتي للأمم المتحدة والذي من خلاله تم القطع مع الخطاطة التقليدية المبنية على الروابط الدينية إلى وضع تصور لتدبير المجال يعيد رسم العلاقة بين المركزي والمحلي في استحضار للتجارب والدساتير المقارنة التي وفرت عبر قواعدها إمكانية ميلاد «دولة الجهات». -أثارت التحركات المكثفة للملك منذ بداية حكمه إلى اليوم نقاشا حول منافسة المؤسسة الملكية للفاعلين السياسيين، هل تعتقد أن هذا النقاش يعكس الواقع السياسي في البلاد أم أن الأمر يتعلق بطريقة جديدة في تدبير الشأن العام لدى المؤسسة الملكية؟ > التحركات المكثفة لم ترتبط فقط بالسنوات الأولى للحكم، إنها سلوك يومي مرتبط بتصور وبوظيفة جديدة للملك، تتمثل أساسا في القرب، في الإشراف والمتابعة المباشرين، وأيضا في تجاوز العاصمة كفضاء للحكم إلى المغرب العميق، هذا التحول في طريقة وأسلوب العمل قد تمت قراءته باعتباره موجها لمنافسة الفاعل الحكومي، واستنتاج وجود وتيرتين للاشتغال، الأولى خاصة بالمؤسسة الملكية والثانية بالحكومة، إن هذا التأويل لا يستحضر كون المؤسسة الملكية هي جزء من السلطة التنفيذية، فهو الذي ينصب أعضاءها ابتداء ويترأس المجلس الوزاري الذي يرسم خريطة عمل الحكومة...وبالتالي، فنحن هنا لسنا في منطق اشتغال النظام السياسي الفرنسي حيث المنافسة بين رئيس الجمهورية والوزير الأول خصوصا في لحظة التعايش السياسي حول اكتساب مواقع جديدة تؤهله للفوز في الانتخابات اللاحقة. -هناك حضور قوي لصورة الملك والمؤسسة الملكية داخل المشهد الإعلامي، بشكل لم يسبق له مثيل، هل يعكس هذا برأيك تحولا في تعاطي الرأي العام المغربي مع الملكية؟ > إن ذلك يرجع إلى مجموعة من العوامل، يمكن أن نذكر من بينها، جو الانفتاح الذي أزال الطابو عن الملكية في مجاليها العام والخاص، وأيضا إلى التجسيد العملي لمضمون «الملكية التنفيذية» حيث إننا بصدد فاعل مبادر يبحث عن شرعيات جديدة، لذا، فإن اهتمام الرأي العام يبدو مبررا بحكم أننا أمام «خالق للحدث»، ولكن اهتمامات مكونات المشهد الإعلامي لم تتخلص بعد من قراءة الماضي ومن نموذج مقارنة ينهل أساسا من التاريخ، ورغم وجود نماذج لحالات أساءت إلى شخص الملك (مثلا: إشاعة الزواج الثاني) فإنها لم تقابل بإجراءات قانونية أو قضائية، ويمكن القول إن الملكية والنظام الملكي أصبحا جزءا من النقاش العمومي، نقاش ليس فوقيا ومرتبطا فقط بالجوانب السياسية والدستورية. - البعض يرى أنه بالرغم من الحديث عن المفهوم الجديد للسلطة في المغرب، إلا أنه بعد عشر سنوات يتبين أن النزعة التقليدية ما زالت هي نفسها، هل هذا صحيح؟ > لا يمكن للخطاب كيفما كان نفسه التغييري أن ينفذ إلى عمق بنيات اشتغلت لسنوات وفق منطق آخر، لكن المفهوم الجديد للسلطة عبر في إبانه عن نظرة تدبيرية جديدة لم تمس فقط الخطاب بل أيضا صاحبتها إجراءات كثيرة من قبيل: تغيير وزير الداخلية، إحداث وزارة منتدبة، تغييرات في سلك العمال والولاة بإدماج أسماء حزبية أو تكنوقراطية... ولكن وقعت فعلا انحرافات في التجسيد العملي لهذا المفهوم، ويرجع ذلك إلى كون الولاة والعمال وإن كانوا « مسؤولين عن تطبيق قرارات الحكومة» طبقا للفصل 102 من الدستور، فهم يوجدون خارج أي نوع من المراقبة الحكومية، كما أن وزارة الداخلية قد أبانت عن سلبية كبيرة في تعاطيها مع أمثلة لعدم التجسيد الفعلي للمفهوم الجديد للسلطة من ذلك: طريقة تدبير احتجاجات صفرو وسيدي إفني، ملف توزيع الأراضي بالعيون، اتصال والي طنجة بالعديد من المرشحين لثنيهم عن الترشح لمنصب عمودية طنجة قبل إجراء الانتخابات الجماعية...وأعتقد بأن هذا النقاش قد تسرب أيضا إلى الأحزاب السياسية التي احتجت في كثير من اللحظات على تصرفات العمال والولاة وعن طبيعة العلاقة التي أصبحت تربطهم بالمجالس المنتخبة ورجال الأعمال، وهناك اليوم الكثير من النقد يوجه إلى تجربة «العمال التكنوقراط» سواء داخل المؤسسة وإن بكثير من الحذر بالنظر إلى الانضباط الذي تتميز به، وأيضا من قبل فاعلين سابقين بوزارة الداخلية، وأفكر هنا أساسا في التصريحات التي أدلى بها فؤاد عالي الهمة في الموضوع.