لا أحد كان يتصور أو كان يعتقد أن يصدر قرار عزل منير الشرايبي بتلك الطريقة، ولا أحد كان يعلم أن تكون خاتمة هذا التقنوقراطي خريج مدرسة البوليتيكنيك الباريسية، على هذه الشاكلة، فقد أصدرت وزارة الداخلية قرار بإعفائه من منصبه كوالي لمراكش بعد اكتشاف اختلالات خلال الانتخابات الأخيرة وخلافات مع العمدة الجديدة للمدينة الحمراء والمدعومة من فؤاد عالي الهمة... نزل الخبر كالصاعقة. حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الزوال، من يوم أمس تصدر وكالة أنباء المغرب العربي بلاغا مقتضبا لوزارة الداخلية «يعفي منير الشرايبي من مهامه، تبعا للتقرير الذي أنجزته اللجنة المركزية لوزارة الداخلية حول الحيثيات المتعلقة بالعملية الانتخابية بمقاطعة المنارة بمراكش». يضيف البلاغ أن تقرير اللجنة خلص إلى «وجود اختلالات كبيرة على مستوى التنظيم والتنسيق بالمصالح الإدارية للولاية». لا أحد كان يتصور أو كان يعتقد أن يصدر قرار عزل منير الشرايبي بتلك الطريقة، ولا أحد كان يعلم أن تكون خاتمة هذا التقنوقراطي على هذه الشاكلة، ولكن الواقعة وقعت. الخبر تصدر الصفحات الأولى للجرائد الوطنية «الداخلية تعفي والي جهة مراكش تانسيفت الحوز منير الشرايبي من مهامه»، «العمدة فاطمة الزهراء تطيح بالوالي منير الشرايبي»، «إقالة والي مراكش، على من يأتي الدور؟»، «خضوعا للهمة؟... الداخلية تعفي والي جهة مراكش من مهامه»، «وزير الداخلية يقيل والي جهة مراكش». مسار تقنوقراطي مسار منير الشرايبي ليس مسارا عاديا، بل هو مسار تقنوقراطي تكون في كبريات المدارس الفرنسية. فقد درس منير الشرايبي المزداد يوم 12 غشت 1963، بمدرسة البوليتيكنينك الباريسية، وكذا بالمدرسة الوطنية العليا للاتصالات السلكية واللاسكلية في نفس المدينة. وككل المهندسين الحاصلين على شهادات من المدارس العليا الفرنسية، فقد تلقد مناصب عليا مباشرة بعد عودته إلى المغرب، خاصة أن علاقة قرابة تربطه بالوزير الأول عباس الفاسي. تولى منير الشرايبي منصبا مهما في بداية مساره المهني والعملي ببنك «كريدي دي ماروك» مديرا للأنظمة المعلوماتية سنة 1987. بعدها التحق بمكتب استغلال الموانئ ليشغل منصب مدير الأنظمة المعلوماتية ومستشار وزير التجارة الخارجية من أجل تسهيل مساطر التجارة الخارجية بالمغرب ما بين 1989 و1994. وفيما بعد سيصبح مديرا لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل من سنة 1994 إلى غاية 2001. غير أن أهم منصب شغله فيما بعد منير الشرايبي هو تعيينه على رأس الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يوم 10 أبريل 2001 خلفا لرفيق الحداوي. لم تكن مهمته على رأس هذا الصندوق سهلة، فقد كان يتعين عليه أن يقوم الاختلالات التي شهدها الصندوق خلال فترة طويلة. فقد كان الهدف من تعيينه هو إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإعطاء نفس جديد لهذه المؤسسة الاجتماعية، خاصة بعد صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس المستشارين حول الصندوق في بداية الألفية الثالثة. لقد كشف ذلك التقرير عن حجم الأموال المبذرة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وقدرها بنحو 7.47 ملايير درهم، وذلك نتيجة «سوء التسيير واختلاسات مباشرة وغير مباشرة». وأكد التقرير أنه «لو قام الصندوق بواجبه وحافظ على هذه الأموال التي حصل عليها، أو التي كان عليه تحصيلها ووضعها كودائع لدى صندوق الإيداع والتدبير بسعر فائدة طبيعي أو بسعر سندات الخزينة المتداول في السوق لوفر أيضا 7.67 مليار درهم». بذلك كلف منير الشرايبي بأن يرجع للصندوق هيبته ويخرجه من أزمته. وكان النجاح الذي حالفه في هذه المهمة سببا في استقطابه من قبل وزارة الداخلية. مسار بالإدارة الترابية لفترة زمنية طويلة، ظل المفهوم الذي يؤطر وزارة الداخلية والإدارة الترابية يتمثل بالأساس في مراقبة المجتمع أمنيا وتأطيره إيديولوجيا وسياسيا، ثم في إنتاج نخب محلية مشبعة بهذه الثقافة. وكان أطر الداخلية يتخرجون بالأساس ومن مدرسة تكوين الأطر التابعة للوزارة. غير أن تحولا وقع في تصور السلطة لوظائف هذه الوزارة من خلال إعادة ترتيب أولويات وظائف الإدارة الترابية حتى تنسجم مع السياسة العامة للدولة، المتمركزة حول أولوية تهم رفع معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. هذا التغيير في الإدارة الترابية ينسجم مع الرغبة في «تجديد السلطة» أو ما يعرف في الخطاب السياسي الرسمي ب«المفهوم الجديد للسلطة». يقول محمد كلاوي في كتابه «المغرب السياسي في بداية الألفية الثالثة (1990-2006)»، إن سياسة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها الدولة منذ سنوات هي التي تحتم اتباع سياسة جديدة في التدبير من خلال تقنوطراط أكفاء، بالرغم من أن تعيين تقنوقراط لا يلقى ترحيبا في بعض الأحيان من قبل الصحافة. وفي هذا السياق، يمكن فهم توجه الدولة نحو تعيين مهندس خريج مدرسة القناطر والطرق على رأس وزارة الداخلية وتعيين مهندسين عمالا وولاة. فلثاني مرة يصبح مهندس خريج مدرسة البوليتيكنيك والقناطر والطرق على رأس هذه الوزارة ، بعدما كان مسعود الشيكر خريج البوليتيكنيك قد ترأس هذه الوزارة وإن كان لفترة وجيزة جدا. كما أصبحنا نرى خريجي مدارس عليا للهندسة يعينون ولاة مثل محمد القباج (والي جهة الدارالبيضاء سابقا، خريج البوليتيكنيك)، ومحمد حصاد (والي طنجة، خريج البوليتيكنيك)، ومحمد الدردوري (والي تادلة أزيلال، خريج المدرسة الحسنية للأشغال العمومية). وفي هذا السياق العام نفهم تعيين الملك محمد السادس لمنير الشرايبي يوم 22 يونيو 2005 واليا على جهة مراكش تانسيفت الحوز. مرت السنوات الأربع التي قضاها منير الشرايبي على رأس ولاية مراكش بدون رجات، وبدون «زلات». غير أن الداخلية لم تغفر له «زلة» تسرب الورقة الفريدة في مقاطعة المنارة التي ترشحت بها العمدة الحالية لمدينة مراكش «الرحمانية» فاطمة الزهراء المنصوري. وأصدر القضاء الإداري حكما ابتدائيا بإلغاء نتائج الانتخابات في هذه المقاطعة، وفي حالة ما إذا تأكد في المرحلة الاستئنافية، فإن المنصوري ستفقد منصبها عمدة للمدينة الحمراء، حينها ستعاد اللعبة من جديد بنفس الوجوه، وبنفس الممثلين، وبنفس الشخصيات، ولكن مع تغيير بسيط، وهو أن اللعبة ستجرى بدون منير الشرايبي. حكاية مهندس ولج الإدارة الترابية < ولد يوم 12 غشت 1963. < نقطة مهندس تخرج من مدرسة البوليتيكنيك الفرنسية الشهيرة ومن المدرسة الوطنية العليا للاتصالات السلكية واللاسلكية بباريس. < مدير مشروع ومدير الأنظمة المعلوماتية ببنك كريدي دي ماروك سنة 1987. < عين مديرا للأنظمة المعلوماتية بمكتب استغلال الموانئ ومستشار لدى وزير التجارة الخارجية في مجال تسهيل مساطر التجارة الخارجية بالمغرب من 1989 إلى 1994. < مدير مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل من 1994 إلى 2001. < عين مديرا عاما للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 2001 إلى 2005. < يوم 22 يونيو 2005، عينه الملك محمد السادس واليا على جهة مراكش تانسيفت الحوز، وعاملا على مدينة مراكش. < يوم 21 يوليوز 2009، صدر بلاغ عن وزارة الداخلية يعفي منير الشرايبي من مهامه بعد التقرير الذي أنجزته اللجنة المركزية لوزارة الداخلية حول الحيثيات المتعلقة بالعملية الانتخابية بمقاطعة المنارة بمراكش.