يلخص عبد الحق العزوزي، مدير المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، أسباب الجمود الذي يعاني منه مشروع الاتحاد من أجل المتوسط في ثلاثة عراقيل، أولها أزمة الشرق الأوسط وأحداث غزة الأخيرة، وثانيها الأزمة الاقتصادية العالمية، وثالثها الجمود الذي تعانيه بعض الاتحادات الجهوية في نفس الفضاء، ومنها بالخصوص اتحاد المغرب العربي. وبالرغم من هذه العراقيل، فإن هذا الجامعي، الذي يعتبر من المساهمين في التنظير الفكري لميلاد مشروع ساركوزي، يدعو إلى الانخراط في إنجاح المبادرة خدمة للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفسطينية. - في الدورة الثانية حول مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، التي نظمها المركز الذي تديرونه بفاس، تحدث مستشار الملك أندريه أزولاي عن وضعية صعبة يمر بها هذا المشروع في الفترة الأخيرة. ماذا تعني لك هذه الوضعية الصعبة؟ < في السنة الماضية عقدنا الدورة الأولى وكانت ممهدة لقمة باريس التي عقدت في 13 يوليوز 2008، وتم استقبالنا من طرف قصر الإليزيه. ونافحنا عن هذا المشروع وقدمنا لهم إعلان مدينة فاس، ومن بين التوصيات التي خرجنا بها أذكر مشروع إنشاء جامعة أورومتوسطية بفاس. وفي نونبر من السنة الماضية بمارسيليا صادقت مجموع الدول الأورومتوسطية، أي 43 دولة، على هذا المشروع. وقمنا بإحياء هذه التجربة بفاس، لكنها تعرضت لعائقين: الأول يتعلق بأزمة الشرق الأوسط بعد الأحداث الدامية في غزة، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 1000 شهيد فلسطيني، والعائق الثاني تمثل في الأزمة الاقتصادية العالمية. فمن المستحيل أن نتصور مشروع الاتحاد من أجل المتوسط بدون قوالب مالية ومؤسساتية. والأدهى من ذلك أنه في نونبر وقعت بعض المشاكل على مستوى التمثيلية، لأن جامعة الدول العربية، التي تمثل ما يقرب من 20 دولة عربية، أرادت أن تكون حاضرة في المشروع وزكتها جميع الدول العربية الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط. ولكن إسرائيل تخوفت. وكما نعلم، فإن إسرائيل لها نفوذ على الدول الأوروبية ولديها لوبيات وتم الاتفاق مع الرئاسة الفرنسية لإيجاد مخرج تمثل في أن الجامعة ستقبل عضوا في الاتحاد شريطة أن تخلق أمانة عامة مساعدة وفيها خمسة مناصب ويمنح واحدا منها بصيغة القانون لإسرائيل، وترجع الأمانة العامة لإحدى دول الجنوب، وعندما وقعت أحداث غزة، لم تكن أي دولة عربية تستطيع أن تقدم أي مرشح لها. ولكن القناعة الموجودة لدى أغلب الدول العربية هي أنه يجب أن نعمل من داخل الاتحاد من أجل المتوسط للتأثير على الأوضاع وعلى إسرائيل. وهذا التأثير من الداخل سيكون أكثر إيجابية من العمل خارج الاتحاد. ويكفيني أن تستطيع فاس أن تطور مشروع الجامعة وأن تصل إلى استقبال ما يقرب من 30 ألف طالب في أفق 2025. هذا المشروع سيكون ذا فائدة للمدينة وللمغرب وللبحث العلمي في الفضاء المتوسطي. - تقول إن تمثيلية الجامعة العربية داخل الاتحاد من أجل المتوسط ستغير الأوضاع لصالح القضية الفلسطينية. لكن أغلب المتتبعين ينتقدون ضعف أداء هذه الجامعة في خدمة مثل هذه القضايا، سواء داخل الاتحاد أو غيره من المؤسسات والمحافل؟ < الاتحاد لم ينشأ بعد. فقد أعلن عنه في 13 يوليوز 2008، وتقرر إحداث أمانة عامة في برشلونة، في نونبر من السنة ذاتها، ووقعت الأحداث في دجنبر، بمعنى أن التفعيل الحقيقي للمشروع لم يتم بعد. الانطلاقة الرسمية كانت موجودة في باريس. ولكن تفعيل القمة لم يتم بعد. وأعتقد بأنه يجب أن ننتظر حوالي 5 أشهر لتتحرك الأمور من جديد، في انتظار أن تتغير الحكومة الحالية المتطرفة في إسرائيل. وهذا كان منتظرا، لأن مسلسل برشلونة أنشئ في 1995 بعد اتفاقية أوسلو. وكان هناك جو للسلم وتم جمع 12 دولة من جنوب وشرق الفضاء المتوسطي لاعتماد فضاء للتبادل الحر في أفق 2012، وبرنامج ميدا 1 و2، لكن جاءت الانتفاضة وتوقف كل شيء، وتبين بأن الوظيفة السياسية للاتحاد من أجل المتوسط هي لصيقة بمستقبل الاتحاد. وعندما جاء ساركوزي أراد أن يعزل العامل السياسي عن العامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهذا مستحيل، لأن العامل السياسي يؤثر في باقي العوامل. وهذا ما تتخوف منه إسرائيل وقامت بالمستحيل لتكون لديها الأمانة العامة المساعدة. - أنت واحد من الذين نظروا لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط. ما هي الإضافة التي يمكن أن يأتي بها هذا الاتحاد للمواطن المغربي؟ < يكفيني فخرا أن تخرج الجامعة الأورومتوسطية إلى حيز الوجود. سيكون ذلك فخرا لفاس وللمغرب. وكما تعرفون فالمكتبة الكبيرة في فاس ستخرج قريبا إلى حيز الوجود وستضم ما يقرب من 25 كيلومترا من رفوف الكتب، بمليوني كتاب. وستبنى على مساحة 14 هكتارا منحتها لنا مجموعة الجامعي والميزانية مرصودة لها وتغيير الكتب فيها سيتم بمعدل 10 في المائة سنويا، كما أن 7 آلاف كرسي بها جاهزة، بمعنى أنها ستضاهي أكبر المكتبات العالمية كما وكيفا. تصور معي جامعة بطلاب أورومتوسطيين سيصل عددهم إلى 20 أو 30 ألف طالب وسيأتون معهم بألف دولار شهريا. هذه الجامعة ستبنى في محيطها فنادق ومطاعم ومقاه ومنازل بمعنى آخر حصول حركية اقتصادية. وهذا هو شأن المدن الجامعية في العالم. - ليبيا عارضت المشروع في البداية معارضة شديدة. < هي لم تكن عضوا حتى في مسلسل برشلونة، لقد كانت لديها صفة مراقب فقط. وهي دائما في سياستها الخارجية تحاول الاتجاه إلى إفريقيا. - ولو طلب منك إقناعها بالانخراط في المشروع. ماذا ستقول لها؟ < وهذه قناعة داخلية لليبيا، وبعد سنوات من الممارسة، وبالتالي فمن الصعب إقناعها بأي شيء. وهم يعتبرون بأن الاتحاد من أجل المتوسط لن يعطي ولو إيجابية واحدة للفضاء الجنوبي، وأنا أظن العكس. والمنظومات المؤسساتية الجهوية هي التي تستطيع أن تحرك التبادل بين دولها في إطار التكامل. وبسبب جمود اتحاد المغرب العربي، فإن دوله تخسر ما بين 16 و20 مليار سنويا بسبب تعطيل الاتحاد. الجزائر الآن مثلا تستورد سيارات «داسيا» من أوروبا الشرقية، بالرغم من أنها تصنع لدينا في المغرب. ومن بين الأسباب التي أدت إلى فشل الاتحاد من أجل المتوسط هو عدم وجود اندماج جنوب جنوب، لأنه بدون هذا الاندماج، فإن الاندماج شمال جنوب يكون محدود النتائج. وفي غياب هذا الاندماج، فإن دول الشمال ستغزوها اقتصاديا. وأنا أتصور بأنه في 2012 مع التبادل الحر مع أمريكا وأوربا سيكون الوضع صعبا جدا. - وماذا سيكون مصير الاتحادات الجهوية، كالاتحاد المغاربي، في ظل الاتحاد من أجل المتوسط؟ < الجزائر عليها أن تفتح الحدود مع المغرب، وقد أوضحنا في الدورة الثانية ضرورة فتح الحدود وتفعيل اتحاد المغرب العربي، لأنه بتفعيله سيفعل الاتحاد من أجل المتوسط، وبذلك سنكون أمام اندماج جنوب جنوب واندماج شمال جنوب. والدولة القطرية لوحدها لا يمكنها أن تندمج مع دول الشمال. - بمعنى أن مشروع الاتحاد من أجل المتوسط لا يزال بعيد المنال؟ < نحن نتمنى النجاح للمشروع، ولكن لا يجب أن نعود إلى الوراء في انتظار تأسيس الدولة الفلسطينية. وهناك الآن قالب مؤسساتي، هو هذا الاتحاد، فإما أن ننخرط فيه أو نبقى خارجه. - ما حكاية إنشاء المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية الذي ترأسه؟ < عندما أنهيت دراستي في تولوز الفرنسية، كنت أدير مركز دراسات وأبحاث حول أفريقيا. وكنت قد أنشأته في معهد العلوم السياسية بتولوز، رفقة عدد من الزملاء. وهناك التقيت عددا من الأكاديميين واستفدت منهم كثيرا في مجال العلاقات الدولية. وعندما دخلت إلى المغرب وجدت أنه يفتقر إلى مثل هذه المراكز، وفي غيابها دأبت بعض المراكز الكبرى في الخارج على كتابة الخطأ وتكراره عن المغرب، دون أن تكون له مراكز تتميز باستقلالية مالية وإدارية لمواجهة هذه المراكز ذات الصيت العالمي. وأنشأنا المركز في 2007، واستطعنا أن نستقطب 36 جنسية في المكتب. وفتحنا نوافذ في القارة الآسيوية والأمريكية، وخاصة في أوروبا والعالم العربي. وقررنا أن ننظم منتديين حاشدين دوليين، الأول حول الفضاء المتوسطي، والثاني حول التحالف الحضاري والتنوع الثقافي. وحاولنا بزي ولباس ومبادئ فكرية وعربية أن ننطلق بهذا المشروع. ونجحنا لأن فاس فتحت لنا أبوابها والمشاريع التي انطلقنا فيها كانت ناجحة. ونشرنا مجلدين بالعربية ومجلدا بالفرنسية وثالثا بالانجليزية في أكثر من 70 دولة. وهذه رسالة قوية من مركز مستقل أبان عن كفاءته. وبعد هذا النجاح، أطلقنا مشروع مدارس الأمل، ونحن نعمل الآن في أكثر من 60 مدرسة. وقد جمعنا في رمشة عين المال اللازم لإصلاح البنايات التعليمية المهددة بالانهيار والتي تفتقر إلى المراحيض. ووقفنا على أن أكثر من 250 مؤسسة تعليمية تحتاج في جهة فاس بولمان إلى تدخل سريع. وعندما تراكمت هذه النجاحات عرضت علي مؤسسة روح فاس وقبلت المسؤولية خدمة للثقافة والعلم. سنزيد في عدد المهرجانات وفي تنوعها - لماذا عين عبد الحق العزوزي مديرا جديدا لجمعية روح فاس؟ < السبب الذي خلقت من أجله جمعية روح فاس هو رفع اسم مدينة فاس في العالم، ومن خلال فاس المملكة المغربية. ونحن سنقوم بإعادة هيكلة عدد من هذه المهرجانات كالموسيقى الروحية ومهرجان الطبخ ومهرجان الجاز، وهناك مهرجانات أخرى ستكون جديدة كمهرجان السفينة الأورومتوسطية للسلام الذي سيجول كل الفضاء المتوسطي خلال شهر كامل وسيشارك فيه تقريبا 2000 مكون من الفضاء الأورومتوسطي، وستتخلله مؤتمرات ومحاضرات، وستستقبل السفينة من طرف رؤساء الدول، وستوصل رسالة التعايش والسلم بين الشعوب. وهذا سيخرج إلى الوجود وسينطلق من فاس، وعوض أن نضيع الأموال العمومية في مشاريع ومهرجانات لا تعود على المدينة بالخير والسلام، فإننا سننظم مهرجان الموسيقى المغربية والعربية وأيضا مهرجان الموسيقى الأمازيغية لكي نعطي القيمة للمغنين المغاربة والعرب. وسنعتمد دليل المغرب للعلاقات الدولية، لأن المغرب لا يتوفر على هذا الدليل، وهذا أمر غير مقبول. فكل الدول لها دليل يكتب عن البلد بصفة مستفيضة ومستقلة ويكتب عن الآخرين، ونحن ليس لدينا بعد نظر محلي تجاه أنفسنا وتجاه الأجانب، وهذا ينبغي أن يخرج إلى حيز الوجود.