في رده على قرار وزارة الداخلية القاضي بتشكيل لجنة من أجل القيام ببحث إداري حول الحيثيات المتعلقة بالعملية الانتخابية ليوم 12 يونيو الماضي، والتي قادت فاطمة الزهراء المنصوري، العضو في حزب الهمة، إلى الفوز بعمودية مراكش قبل أن تُنتزع منها بقرار من المحكمة الإدارية، وصف فؤاد عالي الهمة قرار بنموسى بأنه «جاء متأخرا وصدر عن الداخلية لإطفاء النار فقط»، إلا أن كاتب الدولة في الداخلية السابق، والذي كان يشير إلى وجود «حرب» يخوضها حزبه، من جهة مع عدد من الأحزاب السياسية، ومن جهة أخرى مع مسؤولين من وزارة الداخلية، استدرك بالقول إن خطوة وزارة الداخلية تبعث على «السعادة»، في تلميح واضح إلى كون حزب الأصالة والمعاصرة، لا يشن «هجوما» على وزارة بنموسى، رغم تصريحات الحزب المنددة بتصرفات بعض ممثلي وزارته عشية الانتخابات الأخيرة وفي أثنائها، أو أنه بصدد «ممارسة أي ضغط عليها»، كما جاء على لسان الأمين العام محمد بيد الله، وإنما تتعلق المسألة، حسب عضو بارز في الأصالة والمعاصرة، بالتصدي ل«حرب تستهدف هذا الحزب، الذي حقق نتائج عجزت عن تحقيقها أحزاب ظلت تردد لزمن طويل أنها هي الوحيدة التي تستطيع تأطير الشارع». ويرى الباحث الجامعي في العلوم السياسية، محمد الدويري، أن مسألة الحرب هنا، إذا سلمنا جدلا بالمصطلح في معناه السياسي، فإنها تعني في قاموس «الوافد الجديد»، أنه بصدد الدفاع عن النفس، لاسيما أنه يعتبر الحزب الذي حل ضيفا على الساحة السياسية منذ عهد قريب فقط، ولكنه استطاع مع ذلك انتزاع المقدمة في الخارطة السياسية الوطنية، على مستوى النتائج المحققة، في جماعيات 12 يونيو الماضي. وليس اتهام رجال السلطة ووزارة الداخلية بكونها تقف ضده، وهو الحزب الذي يُتهم المؤسس الحقيقي له، بكونه خرج من جبة هذه الوزارة، إلا مناورةً يلجأ إليها حزب الهمة، ضمن الأخذ بالأدوات الممكنة، في مجال السجال السياسي، يقول الدويري، على غرار ما تفعل باقي الأحزاب السياسية أيضا، على الأقل بالنسبة إليه من أجل أخذ مسافة بينه وبين الوزارة التي ما تزال تهمة الانتماء إليها لاصقة بكاتب الدولة السابق والعضو البارز في هذا الحزب عالي الهمة. ولكنها أيضا هي «اليقظة»، التي ينبغي لحزب الأصالة والمعاصرة، أن يأخذ بها، كما يقول بذلك عضو المكتب الوطني للحزب، محمد بنحمو، الذي يذهب أكثر من ذلك حين يشير إلى أن هناك تحالفا أيضا بين بعض ممثلي السلطة وأصحاب المال للحيلولة دون وصول منتسبي الأصالة والمعاصرة، إلى دفة التسيير والمسؤولية، لاعتبار وحيد هو أن الحزب يضع نفسه ضمن صلب التغيير، الذي لا يريده البعض. لكن الصراع الذي يخوضه حزب «التراكتور» مع بعض مكونات المشهد الحزبي الوطني، والتي تطورت إلى حد التهديد باللجوء إلى القضاء لإنصافه، كما صدر عن حزب الهمة، مؤخرا بخصوص تصريحات نُسبت إلى رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وقبله ضد العدالة والتنمية، يطرح أكثر من سؤال حول مدى إعادة ترتيب البيت من الداخل ل«الوافد الجديد»، ونهج نفس الطرق والأساليب المعمول بها من طرف أحزاب سياسية لوحت باللجوء إلى القضاء، عشية الانتخابات الأخيرة، ضد حزب الأصالة والمعاصرة، انطلاقا من كونها ظُلمت عندما «رحل» عدد من منتميها إلى «الوافد الجديد»، ولكنها تراجعت عندما لم تر جدوى من ذلك على اعتبار أن لا جزاءات ينص عليها القانون، يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري الدويري، غير بعض الجزاءات المالية، واليوم عندما يلوح حزب الهمة بالتوجه إلى القضاء، من منطلق حيثيات أخرى مختلفة تماما عن الحيثيات عشية إجراء الانتخابات، فإن ظاهر هذا الصراع يشير إلى «مظلومية» هذا الحزب، من خلال التركيز على مصطلحات «التهجم» (كما هو الشأن مع العدالة والتنمية)، و«السب والشتم»، كما تسرب من خلال اجتماع حزب الأحرار، حيث اتهم الرئيس بنعت حزب الأصالة له بأنه «يعيد المغرب إلى سنوات الرصاص»، بينما محتوى الرسالة يؤكد على الرغبة في تثبيت الأقدام والتموقع أكثر ضمن باقي الأحزاب، والإيحاء لها وللرأي العام بأن حزب الأصالة أيضا مستهدف سواء من طرف الخصوم الحزبيين أو من طرف السلطات. لكن عكس ما ميز ردود فعل أحزاب كحزب التقدم والاشتراكية، عندما التحق عضو ديوانه السياسي ورئيس مجلس مدينة الحسيمة، محمد بودرة، رفقة آخرين من حزب الكتاب، من كونها ردودا غاضبة نحت باللائمة على حزب الهمة، بكونه يقدم «الإغراءات» لأعضاء سياسيين ضمن أحزاب أخرى، فإن الذنب ليس ذنب الأصالة والمعاصرة، يقول الدويري، ولكنه ذنب ومسؤولية تلك الأحزاب التي لم تعرف كيف «تُربي» منتسبيها على احترام الحزب الأم والوقوف في وجه الإغراءات مهما كانت طبيعتها أو مصدرها، لذلك فإن حزب الأصالة والمعاصرة، وإن لم يكن يتوفر على الحجج الكفيلة بدعم موقفه، في ما يتعلق ب«الترحال»، فإنه اليوم وأمام «الضربات» الموجهة إليه، سواء من طرف العدالة والتنمية أو الأحرار، إذا صح ذلك، أو من قبل وزارة الداخلية، فإنه يجد نفسه في موقف قوة ومعزز بالنتائج التي حصدها في الانتخابات الأخيرة، ليبرر ذلك الموقف القاضي بالتوجه إلى القضاء بأنه دفاع عن النفس، والحقيقة أن الحزب يرى أن المناسبة مواتية له تماما، كما يخلص إلى ذلك الباحث الجامعي، من أجل التموقع بشكل جيد ضمن الخارطة السياسية والاستعداد بما يلزم للاستحقاقات المقبلة، قد يكون ذلك أشبه بالمناورات، لكن في مجال اللعبة السياسية تصبح كل السبل قابلة للاستعمال ما دامت تحترم القوانين المعمول بها. والقوانين المعمول بها هي ما يريد حزب الأصالة والمعاصرة أن يسلكها ويسير وفقها من أجل «إنصافه ضد جيوب مقاومة التغيير»، كما يوضح ذلك محمد بنحمو، الذي أصر على أن حزبه الذي جاء من أجل تطوير المشهد السياسي، وجد نفسه مضطرا لخوض معارك ضد لوبيات في مجال الإدارة والسلطة والمال والأعمال وميادين مختلفة أخرى، لذلك فعندما يواجه الحزب هجوم هذه الجهات المختلفة، يختم بنحمو، فإنه لا يريد تقمص دور الضحية، ولكنه يريد فقط الدفاع عن نفسه من خلال منهج عمل يدخل ضمن برنامجه الكبير والطموح الذي يهدف إلى التغيير. الأصالة والمعاصرة يعتمد موقعا إلكترونيا لإثبات ما نسب إلى مصطفى المنصوري عجز الصحافيون، والمراقبون عن فهم رد فعل حزب الأصالة والمعاصرة، على تصريح نسب إلى مصطفى المنصوري، أمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار، ورئيس مجلس النواب، قوله « إن حزب الأصالة والمعاصرة، رجعي وسيعيدنا إلى سنوات الرصاص». وأثار رد فعل حزب الأصالة والمعاصرة، أكثر من علامة استفهام، كونه توعد المنصوري، رئيس مجلس النواب، المؤسسة التي تمثل الأمة المغربية جمعاء، باتخاذ القرار المناسب في حقه، وكأنه متهم بجناية خطيرة، تتجاوز الحصانة البرلمانية التي تمنح الحق للبرلماني للتعبير عن رأيه ما لم يخالف الثوابت الوطنية، كالمس بالدين الاسلامي، والوحدة الترابية، والنظام الملكي. وما أثار استغراب المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب، هو أن المنصوري لم يدل بتصريح إلى وسائل الإعلام الرسمية، كما أنه لم يلق خطابا علنيا في البرلمان، أو في قاعة عمومية، احتضنت لقاءا، أو تجمعا خطابيا، حضره المنتمون إلى حزبه، ووسائل الإعلام، وعامة المواطنين، بل تم التقاط كلامه في اجتماع داخلي هم قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار. ولقطع القيل والقال، أكد محمد الشيخ بيد الله، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، ومعه قيادة الحزب في آخر مؤتمر صحافي عقد بالرباط، أن المنصوري قال قولته الغاضبة، والمستفزة، نافيا أن تكون الجملة الصادرة عن المنصوري منسوبة إليه، مستندا في ذلك إلى ما تضمنه موقع إلكتروني، مضيفا أن ما يقال يكون له صدى، وأن بيوت السياسيين من زجاج. فهل تعتبر المواقع الإلكترونية مصادر للأخبار، رغم أن المحللين السياسيين يرفضون دائما الاستعانة بها، كون بعضها يتعرض للتدليس من قبل قراصنة، حيث يتم نشر أخبار زائفة، وتلفيقات، رغم أن المشرفين على بعض تلك المواقع يقومون بجميع التحصينات الحمائية اللازمة، فكم من صورة قيل إنها حقيقة، وتم التعليق عليها، فأثبت المختصون أنها مفبركة، وكم من قصص رويت بالصورة والصوت لزعماء دول، كانت كاذبة، وكم من صور لأسلحة دمار شامل وهمية ... ويبقى السؤال محيرا، هل توصل قادة حزب الأصالة والمعاصرة، بتسجيل لأقوال المنصوري؟، ومن سربه من قادة حزب التجمع الوطني للأحرار؟، وهل اللقاء كان في مقر الحزب، أم في قاعة خاصة، توجد بها أجهزة تنصت، نسخت عنها فقرة المنصوري وهو ينتقد الأصالة والمعاصرة، بكلام اعتبره القادة، مستفزا ويستحق المتابعة القضائية؟ أسئلة بريئة تستحق أجوبة الفاعلين السياسيين، إن شاؤوا تنوير الرأي العام المغربي في عز صيف قائظ.