هناك أطفال صغار لا يعرفون معنى العطلة. لا تنتهي امتحانات السنة الدراسية إلا ليبدؤوا امتحانا عسيرا أصعب وأشد تعقيدا، وهو إحساس مبكر بالمسؤولية كتب عليهم كي يقرروا الاشتغال واحتراف العمل، في حين أن أقرانهم يقضون صيفهم على شاطئ البحر أو في مخيمات الجبل. هؤلاء الصغار نصادفهم في كل مكان، حتى أننا تعودنا على وجودهم الموسمي كلما حلت العطلة, يشتغلون بالأسواق والدكاكين وعلى الشاطئ, وفي المقاهي..يحومون كالفراشات متحدين أجسادهم الصغيرة وفقرهم وحاجتهم, ومن حرموهم حقهم الطبيعي في أن يستمتعوا هم أيضا بعطلهم ويرتاحوا بعد سنة دراسية طويلة. صغار يبدون أكبر من أعمارهم بكثير بسبب خروجهم إلى العمل وتعرضهم للمضايقات والإجهاد, تتقاذفهم الأزقة وتلفح وجوههم ألسنة الشمس الحارقة وتواجههم عقبات كثيرة وهم يعبرون طرقا مليئة بالأشواك, يحاولون تنظيفها بأناملهم الصغيرة وقد أصبحت أياديهم خشنة ووجوههم متفحمة. صغار لم يتذوقوا يوما طعم العطلة, بمجرد أن يغادروا أقسام الدراسة يلتحقون بالعمل من أجل دراهم تمكنهم من اقتناء لوازم الدخول المدرسي المقبل. كتب ودفاتر وأقلام وحذاء رياضي..من أجل هذا يشقون طيلة الصيف, إنها فعلا سخرية القدر، لكنها أيضا مسؤولية من يلوحون باتفاقيات حماية الطفولة ومن يرفعون شعارات الدفاع عن الصغار ليحققوا مكاسبهم على حساب البراءة. مكان هؤلاء الأطفال هو المخيمات والشواطئ وأماكن التصييف والاستجمام, وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته كي لا يصبح الطفل معيلا لنفسه ولأسرته. يفيض قلبي حسرة كلما صادفت صغارا يشتغلون وهم يتنقلون برشاقة ويرمقونك بنظراتهم البريئة كي يستعطفوك لتقتني أغراضهم البسيطة والبسمة تعلو شفاههم.. ليس لهم الحق في الراحة أو الشكوى أو اللعب.. ليس لهم الحق في طفولتهم, فهم محكومون بالحزن والشقاء والمحن.. محنة الروح و محن الجسد. أطفال يدوسون على عطلتهم ويمضون نحو العمل كي يصنعوا مستقبلهم, كي يدرسوا, كي يتقدموا نحو الأمام, كي ينقذوا أنفسهم من الضياع. فالحظ لم يكن يوما حليفهم لذلك قرروا أن يهزموه ويتحدوا كل من كان سببا في تعاستهم بالعمل والنجاح. أطفال صغار لكنهم رجال, لم يمدوا أيديهم للتسول ولم يمتهنوا السرقة ولم يبعثروا كرامتهم أرضا, بل اشتغلوا بكبرياء. هؤلاء الصغار يشعرونني دائما بالعجز والغضب, لكنهم ينتزعون منا نظرة إعجاب واحترام, فطفولتهم تستفز حواسنا و ذاكرتنا وتجعلنا نستحضر أيام كنا صغارا نمسك بأيدي آبائنا.. كنا ننتظر العطلة بفارغ الصبر..لأننا لا نعمل. أترى هؤلاء الصغار يفرحون لقدومها؟