«لديّ حلم ومستعدة لأدفع من أَجْلِهِ أكثر من سنتين من عمري، بل مستعدة للتضحية في سبيله بحياتي»، هكذا تحدثت زهرة بودكور من زنازين مراكش الرهيبة وكأنها تردد أحلام مناضلين استماتوا قبْلَها في صيانة نقاء وصفاء الأحلام التي تسكنهم إلى أن أصبحت واقعا. «لدي حلم...»، وما أقسى الأحلام في بلدٍ لم يستثمر إلاّ في قمع رؤى أبنائه وتطلعاتِ شبابه. وحارب نظامه بكل ما أوتي من عنف مهمة أساسية لأي دولة تحترم نفسها، وهي تجديد النخب. فمن خلال أحلام الطلبة الذين انتفضوا في ماي 1968 بباريس، صنعت فرنسا لنفسها ثقافة جديدة ومجتمعا متحفزا لقبول التغيير وتطوير العقليات بعد أن تحجرت وكادت فرنسا الديغولية تلفظ أنفاسها لكونها سَبَحَتْ ضد تيار العصر. وكان من ثمار انتفاضة الشباب إصلاح الاختلالات الاجتماعية وتسليط الأضواء على حاملي الأفكار الجديدة، من مفكرين وأدباء وفنانين وفاعلين جمعويين. دابا هاذ لكلام على فرنسا آش نقولوا على المغرب؟ «لدي حلم» وحلم زهرة امتداد لحلم مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذين قَضَيْتُ معهم، شخصيا، أجمل وأروع فترات حياتي كفنان محاصر لم يجد متنفسا لعروضه سوى في فضائهم الذي كان بمثابة أرض تمّ تحريرها من بطش القمع والفساد تحدّيا لسنوات الرصاص السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لن تَطْلُبَ زهرة بودكور العفو لكونها لم ترتكب جريمة اللهم «جريمة» الحلم وإعلان الحبّ على المقهورين الذين تكالب عليهم صانعو الثروات من عَدَمِ المُعْدَمين وكل الذين حاولوا تبخيس هوية هذا الشعب وتذويبها ومسخها حتى يتمكنوا من التلاعب بمصير أمة يعتقدون أنها فقدت ظلها، لكن زهرة بودكور، ذات ال22 ربيعا (والمناضلين والمناضلات من فصيلتها) جاءت لِتُسَفِّه أطروحاتهم وخُطَطَهم ولتذكّرَهُم بأن جذوة النضال مازالت متَّقِدة، ومِشْعَلََهُ تتناقله الأجيال. ولعل أصحاب «الأوراش» و«المنجزات» سيفتخرون اليوم بإنجاز جديد حقَّقَت به فتحاً مبيناً وهو كونه «يحتضن» في زنازينه أصغر (من حيث سنها) معتقلة سياسة في العالم. رغم أن زهرة نفسها قالت تعليقا على لقب أصغر معتقلة: إن المهم هو ما سأقدمه إلى هذا الشعب، وليس الألقاب، ذلك أن مغرب الألفية الثالثة مازال يعتقل مواطنيه من أجل أفكارهم وأحلامهم وحبّهم اللاّمحدود لوطنهم. رُدّوا بالكم، إن بطن الوحش لازالت خصبة. لَدى زهرة بودكور حلم، في انتظار أن يتقدم المسؤولون الحقيقيّون عن المأساة المغربية وعن تردّي أوضاع السياسة والاقتصاد والاجتماع وحقوق الإنسان، طلب العفو من شعبٍ عانى، طيلة ستة عقود على الأقل، من مسلسل التنكيل والنهب والتحقير واغتيال أفراحه وآماله، (إلى قْبَلْ وبغى الشَّعْبْ). نحن جميعا نعلن تضامننا اللاّمشروط مع زهرة ورفاقها وكل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، ونطالب بإطلاق سراح زهرة بودكور وكذلك رفاقها فورا، لأن حلم زهرة هو حلم كل الأحرار تطلقه من زنزانتها الصغيرة بسجن بولمهارز بمراكش. كل الأحرار يستمدون من قلبك الكبير صمودهم وصمودك.