مات ريان، ذلك الرضيع الذي ولد من رحم مأساة، فأمه دليلة الميموني لم تعش بعد العملية القيصرية التي أجريت لها لاستخراجه من بطنها أكثر من ساعات قليلة قبل أن تملأ صورها القنوات التلفزيونية الإسبانية كأول حالة وفاة تسجل في إسبانيا ب«أنفلونزا الخنازير». ووسط عاصفة الحزن التي هزت عائلتها وزوجها، كان ريان يمثل خيط الأمل الرفيع الذي يجسد استمرارية الحياة بالنسبة إلى والده محمد الورياشي، لكن ممرضة إسبانية قطعت بمقص الجهل خيط الحياة، ونزل خبر وفاة ريان مثل الصاعقة، بكى له الإسبان قبل المغاربة، ووجد المسؤولون في مستشفى «غريغوريو مارنيون» بمدريد أنفسهم في حيرة، ولم يجدوا بدا من الاعتراف بأسوأ خطأ طبي عاشت على إيقاعه إسبانيا في السنوات الأخيرة، بل حتى إسبيرنثا أغيري، رئيسة حكومة مدريد، صرحت بأنها أكبر فضيحة طبية حدثت منذ توليها لمهامها. عاد محمد الورياشي صدفة إلى مدريد ساعات قبل وفاة رضيعه، تلقى مكالمة هاتفية من قريبه عزيز الذي كان يتفقد أحوال ريان، وترك قبر زوجته دليلة في مقبرة المضيق وركب أول باخرة من مدينة سبتة متجهة إلى مدريد.. قضى تلك الليلة في فوينلابرادا بضواحي مدريد. في الساعة السابعة صباحا، اتصلوا به من مستشفى «غريغوريو مارنيون» ليخبروه بأن ابنه ريان في حالة صحية متدهورة.. دخل إلى غرفة الأطفال، وحمله بين يديه، كان ريان جثة منتفخة، لكن محمد لم يكن يعلم بأنه ميت إلا بعد عدة دقائق، عندما دخل قريبه عزيز ليخبره بأن إدارة المستشفى أعلنت وفاة ريان، فأغمي على محمد الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من قسوة القدر. عندما استيقظ محمد من إغماءته كان أمام حقيقة لا راد لها، سيعيش مرة أخرى تفاصيل مأساة جديدة، صحافيون يركضون وراءه في كل الاتجاهات ودموع ساخنة تنزل مثل حمم من مآقي أقاربه، وصوره ستملأ مرة أخرى صفحات أولى للجرائد. عندما وصلت، مرة أخرى، إلى منزل محمد في حي موراثالاث بمدريد كان يجتمع في الغرفة الصغيرة، التي آوته مع دليلة ذات يوم، مع محامية إسبانية قررت أن تتكفل برفع الدعوى القضائية ضد المستشفى الإسباني، كان النقاش يحوم فقط حول السعر، فأخبرته المحامية بأن هذه قضية رأي عام في إسبانيا وأنها ستطلب مساعدة محامين آخرين. بعدما انتهى من اجتماعه مع المحامية، كان محمد أشبه ببقايا شاب، نحيلا ومصفرا وذا نظرات تائهة. وفي الغرفة الأخرى للمنزل الصغير، جلس أقاربه، يسردون فصول قصة حب لم تكتمل بين دليلة ومحمد، حكوا أن دليلة كانت فرحة بجنينها الذي أقنعت والده بأن تسميه ريان، وكانت تضع يدها على بطنها وتبتسم فرحة بأنها تحس به يتحرك في أحشائها، إنها تفاصيل الحلم بحياة هادئة بدأت تجلياتها الأولى في مدينة الرينكون وانتهت على الصفحات الأولى لكبريات الصحف الإسبانية. خرج الجميع إلى مسجد «أيمي ترينتا» لأداء صلاة الجنازة على جثمان ريان، كان محمد منهارا، يبكي ويرافقه أقاربه، وفي باب المسجد عشرات من الصحافيين الإسبان يبحثون عن أي خبر ويراسلون قنواتهم عبر الأقمار الاصطناعية. أخرجوا صندوقا أبيض لا يتعدى طوله نصف متر.. بداخله كان يرقد ريان الذي ألقوا عليه النظرة الأخيرة وأدوا صلاة الجنازة على رضيع لم يعرف كيف أتى إلى هذا العالم وغادره على وجه السرعة.