هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. إن الحركة، وهي الكلمة التي يستعملها أهل الريف للدلالة على أية قوة عسكرية، كبيرة كانت أم صغيرة، قد غادرت أجدير ليلا كي تتفادى إثارة شكوك الإسبانيين الموجودين في القلعة، وبلغت أسفل الهضاب في الشرق عند الفجر، وقضت ذلك النهار بطوله تتسلق دروب الماعز الضيقة المؤدية إلى جبل أبران، القمة الشاهقة المشرفة على وادي أقرموس من الشمال. غادرت وسعيد الخطابي، في عام 1964، أجدير في الساعة التاسعة صباحا، سالكين الطريق الطويلة الملتفة حول الجبال بصورة عكسية، ولما بلغنا ميدار بالطريق الحديثة خلال ساعتين أخذنا دليلا، العجوز أبيش الذي خاض في شبابه سلسلة المعارك التي وقعت في وادي أقرموس عام 1921. ومضينا، وأبيش مع ريفي آخر في مؤخرة السيارة، إلى تيزي عزة، وهي قرية تقع عند أسفل جدار الصخر الذي يرتفع 4000 قدم مطوقا الوادي. إن الدرب الجبلية التي كانت عارية ذات يوم قد أصبحت اليوم طريقا صالحة، رغما عن وعورتها، ترتفع متعرجة ملتوية حتى المعبر الذي تذروه الرياح حيث توقفنا. وقادنا أبيش عبر هذا الممر مشيا على الأقدام. إن الوادي التاريخي ينتشر تحتنا. إنه يشبه، بالجبال التي تطوقه، مرجلا عملاقا، وأرضه المتموجة مرطقة بالهضاب الواطئة، كان ذلك الصباح من أكتوبر مضببا، بحيث لاقينا بعض الصعوبة في تمييز الأماكن التي كان أبيض يدلنا عليها، إن بقعة من الخضرة في طية من الأرض تمثل أنوال، القرية الرئيسية في وسط الوادي. وكانت هضبة واطئة متطاولة ترتفع إلى اليسار منها، وقد أخبرنا أبيض أنها اغريبن. وفي المدى البعيد، في الشمال الغربي، كانت تنهض قمة أبران. وكنت أعرف أن «أغريبن»، و«أبران» و«أنوال» هي ميادين القتال التاريخية التي كسب عبد الكريم فيها انتصاراته الكبرى. إن هذه الأسماء تمثل بالنسبة إلى أهل الريف ما تمثله تيرموبيلاي وكريسي وساراتوغا بالنسبة إلى الغربيين. إن الحركة الريفية الضئيلة قد قاتلت في هذا الوادي الغزاة الذين يجتاحون أرضها بنسبة رجل واحد لكل ثلاثين رجلا، ولا يستطيع أي إنسان في الوقت الحاضر أن يكون على يقين من المجرى المضبوط للأحداث التي وقعت في الوادي خلال أشهر ماي ويونيو ويوليوز 1921، إذ لم يبق على قيد الحياة إلا عدد قليل من الإسبانيين، ولم يكن الريفيون يسجلون الوقائع. أما المعمرون الذين تحدثت إليهم، فما كانوا يتذكرون التواريخ أو التفاصيل، لم يكن هناك أحد من أمثال وليم هوارد روسل أو ارشيبالد فوربس أو ريتشارد هاردنغ ديفيس ليرسم صورا بالرصاص عن القتال، هذا الاشتباك الغامض، المعلق في الهواء، الذي كان يمكن أن يقول ماك غاهان بشأنه، كما قال في بلغاريا عام 1877، إن «أحدا لم يشاهد معركة قط». كان القسم الأساسي من الجيش الإسباني يعسكر في الوادي في أواخر ماي 1921. كان خط رقيق من المواقع، التي تشرف حامية صغيرة على كل منها، يمتد إلى الوراء منه. وإذا ما أخذنا هذه الحاميات بعين الاعتبار، فضلا عن ذلك القسم من الرتل الذي مضى في اتجاه سيدي ادريس، فإن القسم الباقي من الجيش لم يكن يتجاوز 14000 رجل. وعمد الإسبانيون، فيما عدا احتلال الوادي، إلى إنشاء الحصون فوق القمم المجاورة، وهو احتياط أساسي لم يتوانوا عن تحقيقه، وأما حينما بنى سيلفستر مواقعه على هذا الغرار، فقد كان في نيته أن يتقدم غربا عبر الممر الضيق القائم تحت جبل أبران، هذه النقطة الاستراتيجية التي شيد عليها الإسبانيون حصنا أقاموا عليه 300 رجل. كان أبران يشرف على الوادي وعلى الطريق المؤدية إلى الغرب في وقت واحد. وإن الجيش الذي يحتله، إذا كان مجهزا بالمورتر والمدفعية، يستطيع أن يسيطر على المواقف، لأن حاميته تستطيع تأمين عبور الممر كما تستطيع أن تجعل احتلال القسم الغربي من الوادي أمرا لا يمكن الإبقاء عليه.