يعرض الفنان التشكيلي محمد بنور، ابتداء من فاتح يوليوز وإلى غاية العشرين منه بالمعهد الإيطالي بالرباط، آخر لوحاته الفنية، ليؤكد وعدا قطعه على نفسه منذ سنة 2001، عندما قرر أن يلتقي بجمهوره كل سنة. والزائر لمعرض الفنان هذه الأيام بالمعهد الإيطالي بالرباط، يستطيع الوقوف عن كثب على أبواب ونوافذ قصور الصحراء، وخاصة قصور مدينة زاكورة، موطن بنور، من خلال لوحاته، حيث تقدم عالم الصحراء في إطار فني متناسق يجمع بين بساطة الرمز وقلة اللون والضوء المنساب تماما كما هي الشمس في كبد سماء الصحراء، ليقدم بذلك تذكرة سفر، غير مؤدى عنها، لزوار المعرض المغاربة والأجانب ليحلقوا في فضاءات واحات زاكورة الرائعة. ويعتبر الفنان التشكيلي، محمد بنور أن الانتماء إلى طبيعة الصحراء وزاكورة تحديدا، حيث الشمس لا تكاد تغيب، هو ما جعل لوحاته ترسم قطيعة مع العتمة والظل، ليحل محلهما النور حتى استحق حمل لقب «ابن النور» من طرف أصدقائه وأبناء قبيلة الفنانين التشكيليين، في مداعبة حميمية تجمع بين اسم هذا الفنان وبين عالمه الذي يسكنه إلى حد الجنون، تماما كما تسكنه واحات نخيل زاكورة وشمسها ورمالها وقصورها. «ابن النور»، الفنان القادم من بيداء جنوب المغرب وابن بيئته الصحراوية، كما يحلو له ترديد ذلك، كان له الموعد مع عالم التشكيل في سنة 1990، من خلال التوقيع على أولى محاولاته لولوج هذا العالم غير المرحب إلا بالقادرين على وضع لمسات تستحق التصنيف ضمن ما هو فني. لكن لقاء هذا الفنان مع أستاذة التشكيل والفنانة المشهورة ماري فرانس بيريز، سنة 1996، كان له وقع كبير على مسيرة ابن زاكورة، يشبه وقع المعلم على التلميذ الذي يريد محاكاة معلمه؛ لقاء كان له الأثر الكبير في حياته الفنية، وفي رسم معالم هذا الفنان، الذي واصل تقديم إبداعاته بإقامة عدد من المعارض، منذ سنة 1997 وإلى غاية السنة الحالية، في عدد من مدن المغرب وببلدان أوربية كإسبانيا والبرتغال وفرنسا. المدرسة التجريدية المغربية هي واحته المفضلة التي يملؤها بالرمز الموحي بكل المعاني ليخوض في غمار ثقافة الفيافي الممتدة إلى عمق الثقافة الأمازيغية والإفريقية والعربية، فتجد حضورا متميزا لحرف تيفيناغ في لوحات هذا الصحراوي الأمازيغي العربي، الذي يلخص تجربته في كونه جاء إلى هذا العالم من أجل حمل رسالة واحدة ووحيدة فقط ليست لها حدود ولا تصنيفات إثنية، إنها رسالة إنسانية وحضارية ملؤها الحب والسلام. بلوحات بنور يستطيع الزائر لمعرضه السفر بعيدا، عبر بوابات القصور والنوافذ الحاضرة بقوة في تلك اللوحات، إلى عوالم فلسفية وتاريخية وتراثية أيضا، لكن بأسلوب بسيط جدا لا يوظف كثرة الألوان بقدر ما يقتصر فقط على بعضها، المتماهي مع طبيعة الصحراء، هما تحديدا وأساسا اللون البني واللون الأصفر اللذان يلتقيان دائما وأبدا، في لوحات الفنان، في ما يشبه التزاوج إلى حد التماهي أحيانا، وليُجسدا فعلا عشق هذا الفنان لبيئته.