أثار نشر «المساء» في أحد أعدادها لتفاصيل العقد الذي توقعه شركة تنفيذ إنتاج برنامج «كوميديا» ومواهب المسابقة نقاشا حقوقيا وقانونيا وصل إلى حد تكليف الباحث والأستاذ الجامعي في علم الإجرام وحماية حقوق الملكية الأدبية محمد الأزهر للطالبة الباحثة ربيعة زكوتي بالتدقيق في بنود العقد ومناقشة مدى قانونيتها وحمايتها لحقوق الطرفين. وفي بداية بحثها ذكرت الطالبة الباحثة بتجربة تلفزيون الواقع في المغرب بالقول: «تبنت معظم القنوات التلفزية في السنوات الأخيرة مجموعة من البرامج الهادفة إلى البحث عن المواهب في شتى المجالات الفنية، سواء في الغناء أو الرقص أو الفكاهة...، ولم تكن القنوات الوطنية بعيدة عن هذه الرؤية التلفزية والسياسة الإعلامية الساعية إلى جلب أكبر عدد من الجمهور». و»إذا كان الهدف الظاهر منها هو تشجيع المواهب وفتح الباب أمامها نحو الظهور، ولم لا النجومية، فإن الأمور لا تبدو دائما كما هي في الحقيقة، وهذا ما حاول المقال المنشور في جريدة «المساء» عدد 856 الصادر بتاريخ 22 يونيو 2009 بالملحق التلفزيوني توضيحه وإثارة الانتباه إليه، وذلك عندما أورد بعض بنود العقد الرابط بين أحد الفائزين في أحد هذه البرامج والشركة المنتجة». تقول الطالبة الباحثة. واستهلت الطالبة البحث، بالوقوف أمام ضبط مفهوم العقد ووظيفته قائلة: «العقد كما عرفه المشرع الفرنسي في المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي بأنه: «اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر اتجاه شخص أو عدة أشخاص آخرين بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عنه» هو مصدر من مصادر الالتزام وقالب يعبر من خلاله الأطراف عن إرادتهما، وهو بالتالي شريعتهم ومنهاجهم تطبيقا لمبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، لكن ماذا لو اختلت الموازين بين أطراف العقد وتجبر أحدهما على الآخر مجبرا إياه على الخضوع لشروطه، فهل سنبقى دائما أمام النظرية العقدية التي تقوم على مبدأ سلطان الإرادة واحترام حرية الأطراف في التعاقد؟ وهل تبقى للعدالة التعاقدية التي هي غاية كل عقد مكانة أمام طغيان التعسفية التي تميز العقود المبرمة بين قوى غير متوازنة؟. إن المشرع المغربي، وإن كان منح للأطراف المتعاقدة الحرية في التعاقد التي سماها بمبدأ سلطان الإرادة، من خلال الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود، فإنه اشترط عدم مخالفة هذا الالتزام للنظام العام، محاولا بذلك حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية». وفي هذا السياق، اعتبرت الطالبة في بحثها أن العقد المذكور الذي يربط بين أحد المشاركين الفائزين في أحد البرامج التلفزية والشركة المنتجة، يشكل أحد النماذج الحية من العقود التي تبرم يوميا، خصوصا في هذا المجال الفني الذي لم يحظ بعد بالاهتمام التشريعي الكافي، والذي تضمن مجموعة من البنود التي تستحق التوقف عندها، وبما أن عملية التعاقد تمر عادة بثلاث مراحل، أولها مرحلة إبرام العقد، وثانيها مرحلة تنفيذ الالتزامات، وآخرها مرحلة إنهاء العقد أو فسخه، فسنحاول دراسة هذه البنود بناء على هذه المراحل الثلاث: 1) مرحلة إبرام العقد ينص الفصل الأول من العقد المذكور المتعلق بتنظيم العلاقة بين الفائز والشركة المنتجة على أن هذه الأخيرة تعتبر الوكيل والمنتج الحصري للفائز لمدة خمس سنوات، وقد ورد في المقال السالف الذكر،وفق العقد الذي تم الإطلاع عليه أن هؤلاء الفائزين يقومون بالتوقيع على العقد ليلة نصف النهائي، وأن كل من رفض العقد يتم استبعاده. لهذا فإن اختيار- تقول الطالبة الباحثة- هذا الوقت بالضبط من أجل التوقيع على العقد فيه ما فيه من أبعاد، ويحمل على التساؤل عن مدى صحته وصحة الرضا المعبر عنه، هذه الإرادة التي تكون تحت الضغط النفسي الذي يدفعها إلى قبول العقد، خصوصا أن الرفض يعني الاستبعاد والإقصاء من المسابقة. وإذا كان الرضا يعتبر أحد أركان الالتزام وشرطا لصحة التعاقد، فهل هو صحيح ولا يشوبه إكراه نفسي، ولا يشعر المتعاقد بعد التوقيع بأنه وقع ضحية غبن استغلالي، مما يقتضي معه إبطال العقد طبقا لمقتضيات الفصل 54 من قانون الالتزامات والعقود. 2) مرحلة تنفيذ الالتزامات إن أي عقد تبادلي- تضيف الباحثة- يقوم على تبادل المنافع، بحيث إن كلا من الطرفين له حقوق وعليه التزامات، هذه الالتزامات التي يجب أن تكون متوازنة ومتساوية بين الأطراف، لكن قد يلاحظ أن بعض العقود لا تتوفر فيها هذه الصفة، بحيث يصبح طرف أقوى يحتكر العقد ويستفيد منه أكثر من الطرف الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى تغييب العدالة التعاقدية، ويسمى هذا النوع من العقود بعقود الإذعان contrats d’adhésions التي لا تتكافأ فيها الالتزامات بين الأطراف. ونجد الفصل الثاني من العقد المذكور ينص على أن شركة الإنتاج تلزم المتعاقد بعدم بيع صورته طيلة مدة العقد خمس سنوات سواء في المغرب أو في الخارج، وبأي شكل من الأشكال (إشهار سيتكوم سلسلة تلفزية مسرح أنشطة مدرسية عروض موسيقية أنشطة ثقافية الحفلات الخاصة حفلات الزواج الأعياد أفلام...) واللائحة طويلة وغير محصورة، الأمر الذي يجعل المتعاقد دائما أمام مخافة مخالفة هذه المقتضيات، بما أن هذه القائمة هي على سبيل المثال وليس الحصر. كما يضيف هذا الفصل في فقرته الثانية والثالثة أن شركة الإنتاج هي التي تتلقى العروض المقدمة للفائز، وأنها هي التي تتولى التفاوض من أجله دون حضوره وليس بإمكانه المناقشة والتدخل في هذه المفاوضات بأي حال من الأحوال. فالشركة من خلال هذه المقتضيات تنصب نفسها النائبة عن المتعاقد أمام الأغيار، وتلتزم بضمان تنفيذ المتعاقد للعقد الذي تبرمه هي وتتفاوض فيه وحدها. كما يلتزم الطرف المتعاقد بمقتضى المادة 3 من العقد بفعل أقصى ما يمكن من أجل حضور حصص العمل والتداريب التي تنظمها الشركة وتعقدها مع الغير. 3) مرحلة فسخ العقدة وهي الصورة التي نجد المادة الرابعة من العقد تنص عليها، بالإضافة إلى الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة، حيث منحت هذه المادة للشركة حق فسخ العقد دون أداء أي تعويض للطرف الآخر، ودون أن تذكر حالات هذا الفسخ، اللهم حالة وحيدة منصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة، وهي الحالة التي يتغيب فيها المتعاقد لمدة طويلة، حيث يحق للشركة في هذه الحالة ودون مراعاة للسبب، فسخ العقد ودون أي تعويض. وإذا كانت المادة 4 قد أعطت للمتعاقد هو الآخر حق فسخ العقد صراحة،- تضيف الطالبة الباحثة- فإنها سكتت بخصوص التعويض، فهل سيؤدي المتعاقد التعويض في حالة فسخه العقد أم أنه هو الآخر معفي من ذلك مثله مثل الشركة؟ ويضيف الفصل المذكور في الفقرة الأخيرة أن فسخ العقد لا يعفي المتعاقد من الالتزام المنصوص عليه في المادة الثانية التي سبق ذكرها، بحيث إن هذا الفسخ للعقد يبقى أمامه المتعاقد ملزما بعدم بيع صورته طيلة المدة المتبقية من العقد. و«بالرجوع إلى الفصل الأول من قانون الالتزامات والعقود، نجده يحدد مصادر الالتزام في الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة وعن أشباه العقود وعن الجرائم، وبالتالي فنحن نتساءل عن مصدر التزام هذا المتعاقد بعد فسخ العقد؟»،تقول الطالبة. وفي هذا الإطار، فالفسخ-حسب تعبير الطالبة- سواء أكان قضائيا أو اتفاقيا، فإنه ينهي العلاقة التعاقدية بأثر رجعي، ولا تنتج أي أثر في المستقبل، ولكن بما أن العقد الذي نحن بصدد دراسته يعد من العقود الزمنية، فإنه يستعصي معه إرجاع المتعاقدين إلى الوضعية التي كانا عليها قبل التعاقد، لما لهذا العقد من خصوصية، حيث يقوم على استهلاك المنافع والخدمات على نحو مستمر، وبالتالي فإن الفسخ بالنسبة لهذه العقود هو إنهاء للعلاقة التعاقدية بالنسبة للمستقبل. وترى الباحثة أن المادة الخامسة من هذا العقد، نظمت كيفية توزيع الدخل الفني بين الشركة والمتعاقد المتأهل، وذلك تطبيقا للمادة العاشرة من قانون 71.99 المتعلق بالفنان الذي يلزم بضرورة تضمين العقد الدخل الفني. و«يتم توزيع هذا الدخل حسب المادة أعلاه كالمادة 5 من العقد بعد أداء مصاريف التنقل والفندقة وأدوات العمل، حيث تحصل الشركة على نسبة %50، ويحصل المتعاقد على نفس النسبة، لكنه يلتزم بأداء الضرائب على نفقته، مما يعني أن الشركة لا تساهم مع المتعاقد في أداء الضرائب، الأمر الذي يجعل هذا الأخير يحصل على نسبة أقل من %50 التي ستحصل عليها الشركة». وتساءلت الطالبة في الأخير عن دور القاضي في الحد من السلطة الواسعة التي يتمتع بها المتعاقدان بناء على «مبدأ سلطان الإرادة» الذي رسخه قانون الالتزامات والعقود، والذي أنتج عقود الإذعان التي تحتوي على شروط تعسفية وتخالف في بعض الأحيان حتى النظام العام، مما يزعزع مبدأ العدالة التعاقدية، خصوصا وأن المشرع المغربي لم يشر صراحة إلى إمكانية القاضي تعديل أو إلغاء الشروط التعسفية في العقد، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المدني المصري، وذلك في الفصل 149 الذي يقضي بما يلي: «إذا تم العقد بطريق الإذعان، وكان قد تضمن شروطا تعسفية، فإن للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك». و تختم الطالبة بحثها بالقول: «إذا كان العقد في الأصل هو أداة للتوفيق بين المصالح المتضاربة، فإنه أصبح اليوم وسيلة يملي بموجبها أحد المتعاقدين شروطه التعسفية حسب قول الفقيه Berlioz».