تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. لم يكن أحد من بين ال80 ألف متفرج الذين تابعوا مباراة الوداد والرجاء البيضاويين يعتقد أن السقوط المفاجئ لمدافع الوداد البيضاوي على رقعة مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، بعد زوال يوم 29 شتنبر من سنة 2001، سيتحول إلى فاجعة حقيقية، ولم يكن ملايين المشاهدين الذين كانوا يتابعون المباراة عبر شاشة التلفزيون يظنون أن انهيار جسد بلخوجة سوف لن يتجاوز بضع دقائق، لتتحول المباراة الكلاسيكية بين الغريمين التقليديين إلى مواجهة بلا طعم ولا رائحة إلا رائحة الموت. طالب سعيد الطاهري، وهو الحكم الدولي الذي قاد المباراة، من الدكتور عبد الرزاق هيفتي التدخل العاجل لإسعاف لاعب كان أشبه بشخص مصاب بالصرع، لاحظ اللاعبون أن زميلهم قد ابتلع لسانه وأن عينيه جحظتا بشكل غريب، وهو ما استنفر أيضا الطاقم الطبي للرجاء البيضاوي وطبيبا مختصا كان يتابع المباراة من المنصة الشرفية. تبين لطبيب الوداد، بعد المعاينة الأولية، أن الحالة في غاية الخطورة، مما اضطره إلى الاستعانة بسيارة إسعاف من أجل نقل المصاب، الغارق في غيبوبته، إلى مصحة المغرب العربي التي لا تبعد عن الملعب إلا بمائتي متر. وفور وصول اللاعب، الذي كان ممددا في صمت بقميص هو قميص الوداد، إلى غرفة العمليات لفظ آخر أنفاسه، أمام ذهول الجميع. على الفور أعد الطاقم الطبي تقريرا يؤكد أن سبب الوفاة يرجع إلى سكتة قلبية. وفي اليوم الموالي، أحيلت جثة الراحل على الطبيب الشرعي بعين الشق، الذي أكد تقريره أن لا أثر للعنف على جسد اللاعب، وأن انتفاخا في القلب قد كان وراء الوفاة المفاجئة. في بهو مصحة الطب الشرعي انخرط لاعبو الوداد والرجاء ومجموعة من مشجعي الفريقين في حالة بكاء بلا انقطاع، بينما كانت شقيقته تعيش بين الفينة والأخرى حالات انهيار هيستيرية، أما الأب فكان يحاول الحفاظ على هدوئه وهو يستعد لنقل الجثمان إلى القنيطرة، بعد أن أصر على دفنه في مسقط الرأس. لم تتجاوز تصريحات الطاقم الطبي ورفاق الراحل حدود ربط الحادث بتوقف نبضات القلب، بينما شكك بعض اللاعبين في وجود جرعات زائدة من فيتامين كان يتناوله اللاعبون قبل كل مواجهة حارقة. يقول أحد اللاعبين الوداديين الذين عاشوا أطوار الحادث التراجيدي ل«المساء»، إن الفريق قد أقام معسكرا مغلقا قبل المباراة بأحد الفنادق، وكان بعض اللاعبين يتحدثون عن فيتامين كريزو الذي إذا زاد عن حده تحول إلى منشط لا تخفى مضاعفاته، وأضاف أن المدرب رياض الذي عايش اللاعب بلخوجة في الفئات الصغرى للنادي القنيطري قد صرح بأن يوسف كان يعاني من ضعف على مستوى القلب. خلال مراسيم الدفن ألقيت كلمات التأبين التي أجمعت على السلوك القويم للفقيد وتفانيه في الدفاع عن قميص الوداد، معتبرة وفاته المفاجئة بمثابة خسارة كبرى للكرة المغربية، ووعد مسؤولو الوداد البيضاوي بتنظيم دوري سنوي باسم الراحل، بمساهمة من النادي القنيطري والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي أوفدت مندوبين عنها لحضور مراسيم الدفن، ووعد نصر الدين الدوبلالي الذي كان آنذاك يرأس الفريق، بشراء شقة لأسرة اللاعب والحفاظ على راتبه الشهري وامتيازاته داخل الوداد. لكن كل الوعود دفنت مع الفقيد في قبره، حيث اكتفى المسؤولون بتنظيم دوري واحد في القنيطرة دون أن تتلقى أسرة بلخوجة العائدات المالية للمباراة التأبينية، بينما ظل التكريم مقتصرا على نصب قميص عملاق للاعب بلخوجة يؤرخ للحدث المؤلم ويذكر اللاعبين برقم 19 الذي حمله الراحل منذ التحاقه رفقة زميله القمش بالفريق الأحمر قادمين إليه من «الكاك». مع مرور الأيام، تحولت الالتزامات الشفوية إلى سراب، وقرر محمد بلخوجة والد الراحل، البحث عن الحقيقة والوعود الضائعة، بدءا بمقر شركة رئيس الوداد السابق نصرالدين الدوبلالي وانتهاء بالمحكمة، مرورا بجامعة كرة القدم وشركة التأمين ووزارة الشباب والرياضة ومركب محمد بنجلون، وكل المرافق التي تستحق أن تتحول إلى حائط مبكى. لم يكن مطلب الأب يتجاوز المطالبة بحق ابنه المبتور، الذي كان مصدر عيش الأسرة ومعيلها قيد حياته، بل إن الأب ظل يلتهم المسافات بين القنيطرة والدار البيضاء مع التوقف بمحطة الرباط بحثا عن حقوق هضمها الجحود والتنكر للاعب حمل قميص المنتخب الوطني فحرم من مستحقاته المالية بعد مشاركته في مباريتين رسميتين، لأنه مات والكذب على الأموات مباح، وحين لجأ الأب إلى القضاء تقرر أن تسدد الجامعة 15 ألف درهم لعائلة الراحل، وهو المبلغ الذي قدمه الأب المكلوم كأتعاب للمحامية التي تبنت القضية. ولم تقدم شركة التأمين المتعاقد معها أي تعويض لأسرة الفقيد، لأن الوفاة جاءت نتيجة سكتة قلبية حسب منطوق التقرير الطبي، وشركة التأمين لا تصنف السكتة القلبية ضمن إصابات الملاعب التي تستحق التعويض بل إن ملعب مركب محمد الخامس غير مؤمن أصلا.