يرصد الكاتب عبد الرحمان السجلماسي، صاحب مؤلف «الجامعي رائد الكرة الخماسية» في فصول مؤلفه، مسار حياة تقاسمها في زنزانة بسجن القنيطرة مع محمد الجامعي، الرئيس السابق لفدرالية كرة القدم الخماسية، الرجل الذي حمل لقب أول لاجئ رياضي في تاريخ الكرة المغربية. تصنف هذه السيرة التي تنقل نبض حياة السجن، في خانة أدب السجون، لكن ما يميزها هو أنها تؤرخ لأول مرة لحياة رياضي حمل راية الوطن، قبل أن يجد نفسه في التشكيلة الأساسية لسجناء الحق العام. ينطلق السجلماسي في وصف ملامح الجامعي في أول لقاء بينهما في زنزانة بالسجن المدني بالقنيطرة، قال إنه تخطى حينها عقده الرابع وأنه كان طويل القامة بجسم ممتلئ، وبنية يغلب عليها التكوين الرياضي، «كانت البسمة لا تفارق محياه وظل الهدوء يخفي وراءه أحاسيس غريبة لا يريد الإفصاح عنها». وينتقل الوصف ليشمل الفضاء الذي شهد لقاء الكاتب ببطل المؤلف، رجل القانون والناشر، في غرفة كانت تتسع بالكاد لثلاثين شخصا، في ليلة من ليالي شهر يونيو الحار، تم اللقاء داخل فضاء بكل مكوناته من نزلاء تختلف أسباب نزولهم والقيمين على الشأن بالسجن، الذين يظل هاجسهم الوحيد استتباب الأمن والنظام داخل الزنزانة، «إنه العرفي الملقب بشاف شومبري الذي كانت الوسيلة الوحيدة لكسب وده هي علبة السجائر، باعتبارها العملة الوحيدة التي يتعامل بها في هذا المكان الذي التزم فيه بطل القصاصة بالصمت في عالم مليء بالمتناقضات». وكان الجامعي محور اهتمام الكاتب، اهتمام تولد عنه فضول دفعه إلى مراقبته من بعيد مستقرءا نظراته، للإجابة على مجموع التساؤلات التي ظلت تتردد في دواخله، لكن الحاجز الذي وضعه الجامعي بينه وبين كل النزلاء، جعل المؤلف يجتهد لكسره في محاولة لعبت الصدفة فيها دورا إيجابيا حينما اقتحم سكونه بدون مقدمات بعبارة «مالك أصاحبي اطلقها في يد الله والمشدودة بغير الله تطيح»، جرأة لقيت سكونا غريبا مقرونا بنظرات تحمل ألف سؤال أحس معها الكاتب بالخجل والندم لولا تلك الابتسامة التي بدت على محيا الجامعي والتي كانت بمثابة المفتاح الذي خول للسجلماسي ولوج عالمه. ولم يخب حدس عبد الرحمن إذ في ليلة من الليالي التي جمعتهما بالسجن، بعدما سكن الهدوء الغرفة وشلت الحركة فيها، تسلل الجامعي نحو سرير السجلماسي، محاولا تجاذب أطراف الحديث معه ليتظاهر الكاتب خلال تلك اللحظة بعدم الاهتمام بما قد يحمله هذا الحديث، لكنه يخفي بداخله رهبة في أن ينفلت منه خيط الحديث الذي طالما انتظر سماعه. وانطلق أول حوار جمع بين المؤلف وبطله الذي وعده بأن يروي ما يشفي غليله، دون أن يجهد نفسه أو ذاكرته في ترتيب الأحداث مادامت ذاكرته لا تسعفه في ذلك، بعد أن حرمه السجن من عيش أسعد اللحظات مع من عايشته مدة من الزمن، ومن لحظة يحلم بها كل أب وهو يستقبل مولودته الجديدة هاجر. وكانت أول فصول الحكي حول ميلاد الرجل الذي لم يتذكر تاريخه بالتحديد باستثناء السنة إذ تزامن يوم مولده مع يوم من أيام الخريف لسنة 1952، في حي شعبي بمدينة القنيطرة، بمنزل تأهب فيه الكل لاستقبال المولود الجديد، كما كان الاستهلال بطفولة لا تختلف كثيرا عن طفولة أبناء الأحياء الشعبية، حيث حاول الجامعي جاهدا خلال سرده وضع المؤلف داخل الإطار العام لحدث ولادته بكل تفاصيلها الصغيرة، بما في ذلك الأيام التي قضاها في اللعب واللهو وهو غير عابئ بما يحدث حوله، إلى أن جاء اليوم الذي اصطحبه فيه الوالد إلى فضاء وصفه بالضيق بالنظر إلى الإحساس بالتذمر الذي خلفه لديه لكونه كان يشغله عن ممارسة متعته، إنه الكتاب الذي كان يقضي فيه الجامعي وقته على أمل وصول يومي العطلة، أي الخميس والجمعة، حيث متعة اللعب خاصة كرة القدم، «هذه اللعبة التي عشت من أجلها ولأجلها فأذاقتني حلاوتها وسقتني مرها، وهي السبب في وجودي بينك وفي هذا العالم الذي لم أكن أتصور يوما ما أني سألجه».