إلى عهد قريب كانت الفرق الجمهورية للأمن الفرنسي، الأم الروحية لفرق السيمي عندنا، تنزل خبطا وبسخاء على نقابيي الكونفدرالية العامة للشغل، أكبر نقابة في فرنسا، لفك الحواجز أو تفتيت المظاهرات بهراوات فولاذية. في 24 يونيو الماضي، تضافرت ولأول مرة العضلات المفتولة للطرفين، لاقتلاع المعتصمين الأفارقة من داخل بورصة الشغل، المقر التابع للكونفيدرالية، ورميهم في الشارع. احتل الأفارقة المكان، بعائلاتهم، منذ 14 شهرا مطالبين بالحصول على أوراق رسمية للإقامة، قبل أن يحوِّلوا البورصةَ، على إثر هذا الاعتصام، إلى قرية إفريقية، برئيسها الروحي، سحرتها، مطابخها.. إلخ. ومنذ الرابع والعشرين من يونيو والمطرودون يقيمون في الشارع، قبالة البورصة. المؤكد هو أن السلطات الفرنسية لن تسوي وضعية كل هؤلاء «المنبوذين»، بل ستراهن على عامل الزمن وحلول الصيف بحرارته وأمطاره الرعدية، لفرط عقد التضامن داخل هيئة التنسيق قبل اعتقال وطرد من هم في وضعية غير قانونية. وهكذا، فالسيناريو مصقول: بحلول عطلة الصيف، تغفو المراقبة الإعلامية والحقوقية، الشيء الذي يمكن وزارة الهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتنمية المستدامة من تسريب المطرودين إلى بلدانهم على متن طائرات «شارتر» أو على متن الخطوط الوطنية.. إنه الوجه غير المألوف لعملية الطرد التي يذهب ضحيتها يوميا العديد من المهاجرين السريين الذين أقاموا لسنوات في فرنسا، قبل أن تشملهم كماشة الطرد. وليس المغاربة، رجالا ونساء، أفضل حظا من باقي الجنسيات. في العام الماضي وحده، طرد 2975 مغربيا. هذا العام، آخر ضحايا عملية الطرد هذه طلبة أرسلوا بالخف إلى المغرب. في مارس الماضي، طرد حسن البالغ من العمر 22 سنة، سليل أبوين مطلقين، عمل الأب في فرنسا منذ 1974، وكان حسن يعيش مع جدته في إحدى القرى القريبة من وجدة. لما توفيت هذه الأخيرة، التحق وعمره لا يتجاوز ال16 سنة بوالده وأخيه المقيمين في فرنسا. تعلم الفرنسية وتابع تعليمه من 2003 إلى 2007 بالكوليج ثم بالمركز المهني. ولما بلغ عامه الثامن عشر، تقدم بطلب للحصول على شهادة الإقامة، لكن ولاية الشرطة لم تمنحه سوى تصريح رسمي صالح لستة أشهر. وعلى إثر رسوبه في امتحانات شهادة التأهيل، ألغي طلبه بتجديد رخصة الإقامة وأشعرته السلطات المعنية بأن عليه مغادرة التراب الوطني الفرنسي. وهكذا، طرد في العاشر من مارس 2009 عبر باخرة رابطة بين مدينة سيت وطنجة. لما وصل إلى وجدة التحق بجده الكفيف الذي لا حول له ولا قوة. وفي الأخير وجد نفسه في الشارع، وقد تدبر له بعض المناضلين الجمعويين في وجدة مأوى في انتظار أن تنقشع وضعيته. ولا تزال «شبكة تربية بلا حدود» تناضل من أجل عودته إلى فرنسا. علاء الدين الجعدي شاب مغربي في العشرين من عمره. طرد بدوره مؤخرا على الرغم من إقامته بفرنسا لمدة 6 سنوات وإفلاته لمرتين من الطرد. وصل علاء الدين إلى فرنسا وهو في الرابعة عشرة. ولجأ إلى خالته الفرنسية المقيمة بمدينة ليون ليعيش في كنفها. حصل عام 2008، على شهادة التأهيل المهني. في السابع عشر من يونيو وعلى إثر عملية تحقيق، نقل إلى مركز الاعتقال التابع لمطار سان-إيكزيبيري بليون قبل أن يرسل في الغد، على متن طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، إلى مدينة الدارالبيضاء. فهد العروسي، طالب مغربي في ليسانس الرياضيات التطبيقية ويقيم في فرنسا منذ عشر سنوات. اعتقل في ال23 من يونيو بمنزله بمدينة بو، بمنطقة البيريني أتلنتيك. وكان رهن «قانون ملزم بمغادرة التراب الفرنسي». وقد «وضع» في إحدى البواخر الرابطة بين سيت وطنجة، من دون أن تمنح له فرصة إتمام الامتحانات. وثمة حالات كثيرة لطلبة بكفاءات مهنية، «يضرب» على أيديهم النيميرو خمسة كما لو كانوا مجرمين قبل أن يدفع بهم إلى الطائرة أو الباخرة. ماذا سيكون شعور هذا الشباب تجاه فرنسا، التي قضوا بها سنوات الحلم والأمل؟ أي استقبال سيخصص لهم بالمغرب؟ كيف سيندمجون مجددا في نسيجه؟ صدرت، على سبيل المثال، عن جد الشاب حسن لما علم بوصوله إلى البيت الملاحظة التالية: «آش جا يدير هاذ النصراني عندي؟». هادو غير الصغار أما الكبار، فالرزمة كبيرة. ومن المنتظر عند نهاية عام 2009 أن يشكل المغاربة قسما لا بأس به من طابور ال27000 المطرودين، وهو العدد الذي حدده إيريك بيسون، وزير الهجرة والمولود بمراكش، حال تقلده للوزارة. فإلى أين المفر؟