من نعم الشهر الفضيل التي لا تحصى أنه يكشف النقاب عما كان «مستورا» في شهور الله الأخرى في دنيا التلفزيون. من نعمه كذلك أنه يمنح المتلقي العادي والناقد المتخصص جميل الصدف ليكتشف «عورات» الإنتاج التلفزيوني وأن يطلع على ما أعده «المعدون» لذلك الشهر دون غيره، ومن نعمه ثالثا وليس أخيرا أن يواجه المشاهد - بشكل قاس أحيانا- إنتاجات، تتمسح بمسميات عدة (إبداعات، دراما، كوميديا، وان مان شو، تولك شو،سيتكوم...) تتوحد في قاسم مشترك يسميه فقهاء اللغة قصدا وليس اعتباطا السيناريو. أكدت تجارب الإنتاجات التلفزيونية، التي لم تكن إنتاجات هذه السنة استثناء لها، أن المنتجين المغاربة اختلقوا أساليب جديدة في التعاطي مع الفعل الإبداعي، تارة يتم تجميع مجموعة ممن يعتبرون كتابا، ليقال بكل الاطمئنان أو التواطؤ إن هناك «خلية» للكتابة دشنها سعيد الناصري أولا، قبل أن يتبعه في «العادة» أو الوصفة كثير من «المنتجين» و«الكتبة» دون خجل، وفي أحايين كثيرة يغيب السيناريو إرادة أو قسرا، ويتم اللجوء إلى حل يسميه مغاربة التلفزيون دون غيرهم «الارتجال» ويضعون لهذا الارتجال والتبسيط في التعامل مع المرحلة الأهم في العملية الإنتاجية، معايير شاذة، وليس غريبا أن يتلقى المتتبع خبرا طريفا يقول إن الممثل محمد الخياري احتج على سيناريو ولم يقتنع به، أو أنه يهدد باللجوء في حواراته إلى «الخياريات»، وهي ملفوظات يقدمها كإضافات، واللجوء إلى«الارتجال». من غرائب كتابة السيناريو ذي المقاييس والمعايير المغربية أن يعمد المنتج والمخرج إلى تجميع الممثلين مع الصباح، ليقول بكل الثقة: «آرو آشنو عندكم دابا، واش بان ليكم، أنتموا كولو وأنا نكول معاكم والله ييسر الأمور وصافي...). وحينما يطرح السؤال عن سر هذه المصائب التلفزيونية، يقال إن المغرب يعاني من كتابة سيناريو، هذا القول الذي تكرر في برنامج «مباشرة معكم»، الذي خصص في إحدى حلقاته للكوميديا لأسباب «طارئة»، يحتوي على كثير من الغموض والتحايل على المتلقي أحيانا،لعدة مؤشرات أولها أن الأعمال القليلة التي نجحت في التلفزيون المغربي قدمت كنصوص مكتوبة من بينها مسلسل «إنسان في الميزان» للراحل عبد السلام الشرايبي، هذا الأخير لم يفسح المجال أمام عبد الله تكونة (فركوس) بطل العمل، ليرتجل صاحب «فركوس وفركوسة» ارتجال «مول الطاكسي» الذي أثار الكثير من المشاكل وردود الأفعال مع «فهيد» الذي غضب في أحاديثه الخاصة من عدم السماح له ب«الارتجال» في «مبارك ومسعود»، ولسان حاله يقول: «راه كلشي فيه ارتجال والخياري علاش تيرتجل وأنا لا»؟ على نقيض هذه المشاكل المؤرقة، يتذكر المغاربة الذكريات الجميلة التي تركها نجيب محفوظ في ذاكرتهم التي التصقت بها صور مسلسل «الثلاثية» الخالدة ووقع السيناريو المتناغم مع جميل الأداء، ويتذكر هذا المتلقي لحظات اتساق مشاهد «المال والبنون» لأسامة أنور عكاشة، ويتذكر المتتبع لمسار الدراما العربية إصرار المخرج السوري نجدت أنزور مبدع «البواسل» و«الكواسر» و«الجوارح» على رفض اجتهاد الممثل وجموحه، ويتلقى المهتم بالكتابة- بكثير من اليقين- أن أسامة أنور يشرف فعليا على خلية كتابة حقيقية وليست افتراضية، تضم أسماء كبيرة ويتأكد المشاهد أن سقوط السينما المصرية وانهيارها قيميا، كان مرتبطا بتحول الممثل(عادل إمام،محمد هنيدي، محمد سعد...) إلى منتج أو مؤلف خفي يفرض شروطه ويختار مشاهده و«يرتجل» الارتجال الذي يفقد العمل قوته ويجعل طرح السؤال ملحا على مسؤولي التلفزيون: «هل من المستساغ أخلاقيا وإبداعيا أن نعلق كل المشاكل والمصائب والظواهر التي تقدم في التلفزيون المغربي،على كتاب السيناريو المنسيين؟».