هيمن حزبا العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار على نتائج الانتخابات الجماعية ليوم الجمعة الماضي، وسط مهرجان مفتوح لاستعمال المال وفي ظل حياد سلطوي يثير الكثير من الشبهات. ونجح حزب العدالة والتنمية في الفوز بأغلبية مقاعد مقاطعتين من بين أربع مقاطعات في المدينة، هما طنجة- المدينة وطنجة- السواني، فيما احتكر التجمع الوطني للأحرار الفوز في الدائرتين الانتخابيتين الأخريين وهما مقاطعة بني مكادة وطنجة- مغوغة. وحصلت العدالة والتنمية على 20 مقعدا بمجلس طنجة المدينة، و21 مقعدا بمجلس المقاطعة، فيما حصل التجمع الوطني للأحرار على 20 مقعدا بمجلس المدينة، وعلى 20 بمجلس المقاطعة. ولم تكن هذه النتائج مستبعدة، بيد أن المفاجأة الكبرى كانت فشل دحمان الدرهم، عمدة طنجة للخمس سنوات الماضية، في الحصول على عتبة المرور، وفشل لائحته، (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، في الحصول على ما يؤهلها للفوز. ولم ينجح حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحصول على أي مقعد في الدوائر الانتخابية الأربعة، وهو ما يشكل ضربة قاضية وغير مسبوقة لقواعد الاتحاد الاشتراكي في طنجة. وبدا لافتا أيضا أن لائحة الأصالة والمعاصرة حصلت على نتائج أقل مما كان متوقعا، غير أن نتائج هذا الحزب لا يعتبرها البعض سيئة بالنظر إلى أنها أول تجربة انتخابية له في المدينة. وبلغ مجموع المقاعد للأصالة والمعاصرة في طنجة 13 مقعدا. ووفق مصادر رسمية، فإن عدد المشاركين في اقتراع الجمعة كان أقل من 38 في المائة، حيث شارك حوالي 110 آلاف في التصويت من بين حوالي 200 ألف من المسجلين في اللوائح الانتخابية. غير أن الملفت في نتائج طنجة ليس نتائجها أو هزيمة عمدتها، بل الاستعمال المفرط للمال، حيث أصيب الناخبون ب«صعقة ديمقراطية» بسبب المشاهد المخلة بالحياء الانتخابي، والتي جعلت الناس يعتقدون أن المغرب عاد 40 سنة إلى الوراء. وفي مختلف دوائر طنجة، لعب المال دورا حاسما في نجاح عدد كبير من المرشحين، ووصل سعر الصوت إلى أثمان قياسية، وساهمت في ذلك أحزاب كثيرة، بما فيها أحزاب صغيرة وجد متواضعة باعت تزكياتها لأغنياء وموسرين. وتوصلت مصالح الأمن والمحكمة الابتدائية بسيل من الشكايات، غير أنها ظلت شكايات بلا أي مفعول بالنظر إلى أن «أوامر صارمة» أعطيت للأمن بعدم التدخل، وفق ما يقوله مصدر مطلع في المدينة. وقال وكيل لائحة حزبية «عاينّا حالات رشوة فاضحة واتصلنا بالأمن عدة مرات وأجابونا بأن الأوامر هي «شوف واسكت». وبينما كانت نسبة المصوتين صباح الجمعة ضعيفة جدا، فإن النسبة ارتفعت بعد صلاة الظهر، فيما قال شهود عيان إنهم شاهدوا أشخاصا، بينهم نساء، يحملون رزما من المال ويشترون الأصوات في عرض الشارع. وفي منطقة الدرادب، قرب المسجد، كانت امرأة تقف قرب مركز انتخابي وهي تعترض سبيل أشخاص متوجهين للاقتراع، وتطلب منهم تسليمها بطائقهم الانتخابية وتمزقها، بعد أن تتأكد من صحتها، ثم تمنحهم 500 درهم. وقالت مصادر من المنطقة إن الأمن ألقى القبض على هذه المرأة حوالي الرابعة من بعد ظهر الجمعة، ثم أطلق سراحها لحظات بعد ذلك. وفي منطقة الرهراه كان الأمن يقف غير بعيد عن أشخاص يشترون أصواتا، غير أنه لم يتدخل، فيما تم منع أشخاص من التقاط صور لما يقع. وعرفت دائرة طنجة المدينة عمليات ارتشاء قياسية، وكذلك مناطق بني مكادة والسواني ومراكز انتخابية متفرقة. وبغض النظر عن الاستعمال الكبير للمال، فإن كل الممارسات الانتخابية التي كان الناس يعتقدون أنها بائدة عادت إلى الوجود، من بينها شحن ناخبين في سيارات وحملهم إلى مراكز التصويت، وهو ما كانت تقوم به مثلا زوجة أحد كبار المرشحين في طنجة، التي ظلت منذ صباح يوم الاقتراع تحمل عددا كبيرا من النساء في سيارتها الخاصة إلى مركز انتخابي، وذلك في إطار «التضامن العائلي». وساد اقتناع كبير في طنجة بأن السلطات «متواطئة» بشكل كبير مع ما يجري، وبأن الهدف الأساسي كان هو رفع نسبة المصوتين بغض النظر عن الوسيلة، خصوصا أن طنجة سجلت أعلى نسبة عزوف في انتخابات سبتمبر 2007. ليلة سقوط الدرهم قبل بضعة أيام من اقتراع الجمعة، استدعى والي طنجة، محمد حصاد، مسؤولين حزبيين ووكلاء لوائح انتخابية وطلب منهم كلمة شرف بالتزامهم بمساعدة دحمان الدرهم، وإعادة تنصيبه في مكانه. وقبل عدة أشهر كانت السلطات في المدينة تفعل كل شيء من أجل أن يكون الدرهم هو العمدة للسنوات الخمس المقبلة، وفي كثير من المرات كان الوالي يشاهد رفقة الدرهم في سيارة واحدة. وصباح يوم الاقتراع، كان بيان للمكتب الوطني لحزب «الأصالة والمعاصرة» يدين بشدة ما تقوم به سلطات طنجة من «حملة غير قانونية» من أجل دعم الدرهم، لكن السلطة لم تأبه، وبدا واضحا للجميع أن الدرهم سيكون هو العمدة شاء من شاء وأبى من أبى. لكن، عندما حلت ساعة الحقيقة، فإن الكثيرين من أنصار الدرهم أصيبوا بإحباط حقيقيي، وعلى رأسهم الوالي حصاد، الذي ظل يفرش الطريق للدرهم منذ شهور، وتم منع عدد من المنافسين من الترشح في القوائم الانتخابية حتى لا ينافسوا الدرهم في عمديته. في ليلة ظهور النتائج، كان الأمر يشبه صدمة كهربائية قوية لسلطات طنجة، ربما لأنها سلطة لا تستمع إلى نبض الشارع، ولا تعرف أن الناس يرون يوميا كيف تحولت طنجة إلى قلعة للإسمنت والفوضى العمرانية وفوتت فيها المناطق الخضراء ودمرت الغابات وكثرت مظاهر الانحراف والفقر، وانهارت معالم التاريخ وتحولت المآثر إلى مراحيض مفتوحة. صحيح أنها مظاهر يشترك في مسؤوليتها الجميع، لكن الناس يعتقدون أن العمدة سلبي أكثر من اللازم، وأنه مجرد ألعوبة في يد السلطة. في ليلة سقوط العمدة، كانت النتائج تظهر تباعا، غير أن نتائج لائحة الاتحاد الاشتراكي، وهي لائحة العمدة، لم تكن تظهر نتائجها بالمرة، وظن الكثيرون أن الواقعة قد وقعت، وأن السلطات تتأخر في إعلان نكسة الدرهم لأنها «ربما تحاول أن تجد له مخرجا مشرفا وتصل به إلى العتبة سالما»، وفق ما يقوله وكيل إحدى اللوائح الانتخابية. دحمان الدرهم حصل على أقل من 1000 صوت في دائرة انتخابية وصل عدد المصوتين فيها قرابة 25 ألفا، وحزب الاتحاد الاشتراكي كله لم يحصل على أي مقعد في أربع مقاطعات انتخابية بطنجة، ومناضلو هذا الحزب يعتبرون ذلك شيئا طبيعيا لأنهم يعيشون أجواء حرب داخلية شرسة منذ سنتين، والاتحاديون الحقيقيون ظلوا في بيوتهم يوم الاقتراع، بينما كانت لائحة الدرهم تشبه غيرها من اللوائح الانتخابية، لوائح تصارعت فيما بينها كما تتصارع الكواكب في حرب النجوم، وفي النهاية كان لا بد من وجود ضحايا، وكان العمدة أكبر الضحايا.