لم يمت عمر بانغو في حمام دموي جراء انقلاب عسكري أو نتيجة تسمم، بل مات ميتة طبيعية، إن كان الموت ب«خنزير» يعتبر موتا طبيعيا، في إحدى العيادات الطبية ببرشلونة ضربت من حولها حراسة مشددة. كان بانغو، مثله مثل كل الديكتاتوريين، يعتقد أنه بفضل المال، السلطة، السطوة... قادر حتى على قهر الموت! ترسخت هذه القناعة حتى في أوساط حاشيته التي خلقت «سيسبانس» هيتشكوكي من حول وفاته: ها هو فاق، ها هو مات! ومثل بعض الديكتاتوريين الذين أقام معهم المغرب علاقات ود وصداقة، تسلل عمر بانغو إلى مخيالنا وهو واقف إلى جانب الراحل الحسن الثاني، داخل سيارة ليموزين مكشوفة، وسط الزغاريد والهتافات وصوت «المذيع الدائم» يصدح على الأمواج والشاشة: «ها هي الجماهير المغربية خرجت عن بكرة أبيها في هذا اليوم الأغر لاستقبال ضيف العاهل المفدى، الحاج عمر بانغو. ها هو المناصر لقضيتنا المقدسة...». والدتي، التي تتماهى وفي كل مناسبة مع الحماسة الممسرحة للمذيع الدائم، لم تقشع ولو كلمة من تعليقه، مما دفعها إلى استفساري: «هذاك اللي واقف مع سيدنا هو الرئيس مانغو؟!!». فيما بعد قلت في قرارتي إن والدتي بالتقاطها لكلمة مانغو، بدل بانغو، كانت على حق: الحاج عمر بانغو كان بالفعل مانغو صحيح! نزل بقوة على بسطاء الكونغوليين. كان شرطي فرنسا في المنطقة. حوّل البلد إلى إمارة تحلبها بسخاء عشيرته وشركة البترول الفرنسية «إلف». كان العمود الفقري لما يسمى ب«فرونس أفريك»، وهي تسمية جديدة تغلف نظاما كولونياليا عتيقا قائما على الزبونية والمحسوبية. وهكذا، ما إن تأكد خبر وفاته حتى ارتخت في فرنسا الألسن مشيرة إلى الطينة المرتشية للرئيس الراحل. فبناء على تصريح أدلى به الرئيس الفرنسي السابق، فاليري جيسكار ديستان، فإن عمر بانغو كان الممول لحملة شيراك للانتخابات الرئاسية، الشيء الذي فنده كل من شارل باسكوا، وزير الداخلية الفرنسي السابق وأحد الأصدقاء المقربين من عمر بانغو، والوزير الأول السابق دومينيك دو فيلبان. من جانب آخر، أنعشت الجمعيات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية ملفات التحقيق في الثروات التي يملكها بانغو في فرنسا والولايات المتحدة. وهكذا، بعد أن رفع الفرع الفرنسي لجمعية «ترانسبرانسي» الدولية دعوى ضد عمر بانغو بسبب «امتلاك، تبييض وتحويل أموال عمومية»، عارضت النيابة العامة قرار التحقيق. وبعد استئناف الجمعية، سينظر في القضية بعد ثلاثة أشهر. وتبعا لدعوى الجمعية، فإن عمر بانغو يملك في فرنسا 33 عمارة، بيتا وفندقا خاصا، يوجد أغلبها في الحي الراقي للمقاطعة السادسة عشرة. أما منظمة «شيربا»، وهي هيئة غير حكومية، فقد أشارت إلى أن الرئيس الغابوني يملك، في اسمه أو في اسم أقربائه، عدة حسابات بنكية، علاوة على سيارات فاخرة من نوع آستون-مارتان وبوغاتي أو ميرسيدس، يتراوح ثمن كل واحدة منها ما بين مليون ومليون ونصف أورو، تم اقتناؤها عينا! أما أقرباؤه فلهم كذلك حظ وافر من هذه الثروة، مثل زوجته التي توفيت بالرباط وابنيه عمر دونيه (13 عاما) وياسين كويني (16 عاما) اللذين يملكان، إلى جانب بعض الأقارب، فندقا خاصا تم اقتناؤه بمبلغ 18.87 مليون أورو؛ دون الحديث عن ابنه علي، وزير الدفاع والمرشح لخلافته، أو ابنته باسكالين، مديرة الديوان والتي تتصارع بدورها على الرئاسة. عن «إمبراطورية» ممتلكات بانغو، سبق لمجلس الشيوخ الأمريكي أن أجرى تحقيقا في الممتلكات الأمريكية التي في حوزة الرئيس الراحل. وحسب التقرير الذي أعد في الموضوع، فإن هذه الممتلكات تبلغ ما قيمته 130 مليون دولار! أما علاقة الحاج عمر بالمغرب فكانت علاقة تعلق وغرام طويلة، إذ يحظى الحاج عمر بانغو أوديمبا في الأوساط العليا بمكانة مميزة، لا فحسب لأنه ناصر، من دون كلل، القضية الوطنية، بل لأن في حوزته «شكارة» صحيحة وعامرة. يبقى السؤال وبصيغة الجمع: ما هي أملاكه في المغرب؟ من يسيرها ويستفيد منها؟ من هي الأطراف المشاركة فيها؟ للحصول على جواب شاف عن هذه الأسئلة علينا الانتظار حتى «تولد البغلة»!