بعد أن تزوجت سنة 2003، لم تتوقع السيدة (س.ش) البالغة من العمر 27 سنة أنها ستتعرض لمعاملة سيئة من طرف زوجها، ما جعلها تبدأ حياتها من جديد.. ظلت تعيش معه لمدة ست سنوات رغم أنه كان عاطلا عن العمل بعد أن طرد من أحد مصانع النسيج، ليصبح عدوانيا معها، ورمى الزجاج على رأسها، ولم يتوقف عن شتمها والتنكيل بها. أقنعت هذه الزوجة، المتحدرة من إحدى القرى المغربية، نفسها بأن تصبر على الممارسات العنيفة لزوجها، وترسخت لديها هذه القناعة بعد ميلاد ابنها، قبل أن تقرر التفكير بشكل جدي في مصيرها مع زوجها بعد إصدار مدونة الأسرة، وبدء تطبيق بنودها في محاكم الأسرة. «أحسست حينها أنني أصبحت قادرة على التمتع بحقوقي التي يخولها لي القانون في المدونة» تقول (س.ش) التي حصلت أخيرا على الطلاق من زوجها وعلى نفقات ابنها. أقر البرلمان المغربي سنة 2004 العمل بمضامين مدونة الأسرة التي غيرت العديد من القوانين التقليدية المتعلقة بوضع الزوجة، وأصبح من حقها أن تحصل على الطلاق إسوة بالزوج عندما تصبح الحياة معه مستحيلة. ساندت هذه الإصلاحات القانونية، غير المسبوقة، الجمعيات النسوية ودعمها الملك محمد السادس، لكن الإسلاميين رفضوا عددا من بنودها، وظلت المدونة نموذجا تنظر إليه الناشطات النسائيات بالفخر عبر دول العالم الإسلامي. وفي السنة الخامسة لتطبيق مدونة الأسرة، مازالت أصوات محافظة تعرب عن قلقها من الوضع الجديد للزواج في المغرب واعتبروا أنه يوجد تحت رحمة «هجمات» المجتمع المدني، وهو اتهام ردت عليه المنظمات النسوية بأن المدونة حققت كل الآمال التي كانت معلقة عليها. وكشفت ايزابيل كليمون، مسؤولة مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدةالأمريكية، أن «مدونة الأسرة التي اعتمدها المغرب ستشجع دولا أخرى في المنطقة على التفكير في اتخاذ خطوة مماثلة»، وتنوي كليمون نشر أفكارها حول وضعية المرأة المغربية في كتابها الذي سيصدر العام القادم بعنوان: «الجنة تحت أقدامها: المرأة والإصلاح في الشرق الأوسط». وتضيف كليمون: «تعتبر القوانين المشرعة للأسرة والمرأة حساسة ومثيرة للجدل في الدول العربية والإسلامية، وما قام به المغرب يعد نموذجا يحتاج إلى التطبيق في دول أخرى مثل العراق وأفغانستان وإيران» واستوحت المنظمات النسوية في إيران فكرة الحملة التي أطلقها المجتمع المدني في المغرب، لتقوم بإطلاق حملة مليون توقيع بمركز النساء الإيرانيات من أجل إعادة النظر في التشريعات القانونية الخاصة بالمرأة، «تماما مثلما كان عليه الأمر في المغرب، الذي حققت نساؤه ما كن يحلمن به» تتابع كليمون. بدأت الحكاية في المغرب بإعلان منظمات تنشط في ميدان حقوق المرأة، عن جمع التوقيعات لتغيير قانون الأسرة، واعتبرت هذه المنظمات أن مفتاح نجاحهن هو الاعتماد على ما ينص عليه الإسلام عوض ما جاءت به القوانين الغربية. لم تكن الخطوة سهلة لأنها ترتكز على إعادة النصوص التي جاء بها القرآن والسنة وتطبيق مضامينها اعتمادا على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، وهو ما نجح المغرب في بلورته إلى أبعد حد. وأشارت فوزية العسولي، رئيسة العصبة الديمقراطية لحقوق المرأة، إلى أن يأتي التغيير من المجتمع المدني ليعالج الأمور من العمق، وأضافت معلقة:»يبرهن المغرب بأنه بالإمكان الوصول إلى الحداثة دون المساس بالدين. من جانبها، ترى لطيفة الجبابدي، رئيسة الاتحاد النسائي المغربي، أن ما قام به المغرب في مجال الدفاع عن حقوق المرأة يجعله «علامة المنشأة» الخاصة بالمنتوجات التجارية، مؤكدة أن الإصلاحات التي جاءت بها المدونة تجعله مميزا بعبارة «صنع في المغرب».