«...أرفض أن يرى البعض في دول الغرب أن المرأة التي اختارت أن تغطي شعرها هي على حد أقل من المساواة، لكني أعتقد أن المرأة التي حرمت من التعليم هي امرأة حرمت من المساواة...». إذا كانت هذه اعتقادات الرئيس الأمريكي في خطابه، الذي ألقاه في القاهرة هذا الأسبوع بخصوص حق المرأة في اختيار نوع اللباس، فكيف لنا أن نتقبل من مسلمين يعيشون بيننا أحكاما مسبقة سلبية عن أي امرأة أخفت شعرها بثوب. فالحجاب لغة اسم من فعل حجب، أي ستر وغطى عن الأنظار. أما اصطلاحا، والذي من المفروض أن يتماشى مع المفهوم الشرعي للكلمة، فقد اختلف من كونه فرض من الفروض التي يقوم عليها الدين الإسلامي إلى كونه رمزا دينيا، وشكلا من أشكال التزمت التي أرادت بعض البلدان التخلص منه من أجل الإبقاء على مظاهر علمانية مثلى. كما حرفت فرضيته الشرعية، وشكك في وجوبه، ليصبح موصوفا بالزي الطائفي، غايته تحديد صورة نمطية لنوع من المسلمات اللواتي يرتدينه. ومن ثم تضخم هدفه ومغزاه في مجتمعنا المغربي عند العامة، لينتقل من كونه رداء ترتديه المرأة لتغطي عورتها عن غير المحارم بدليل النص القرآني، أي من كونه طريقة لباس فقط، إلى كونه «التزاما»، أي تصرفات ومواقف وسلوكيات يجب أن تلتزم بها المرأة عند نيتها «التحجب»، بعدما فرضها الشارع المغربي عليها بغير نص أو دليل. كما لو أن الحجاب هو فهرس للتعريف بخبايا نفس المرأة، فكلما كمل حجابها، اكتملت مكارم أخلاقها. وهذا الرباط المبتدع بين المظهر والأصل جعل من المرأة المتحجبة عرضة للانتقاد والسخرية من طرف البعض لكونها غير مثالية، حيث يتوقع البعض من المرأة التي ترتدي الحجاب أن تكون ملاكا يمشي على الأرض، لا يقبل منها خطأ ولا هفوة، فتسمع تعليقات مثل: «رأيت امرأة تتجاوز الضوء الأحمر بسيارتها ولا تحترم قانون السير، (وقالك محتجبا)»، أو: «ذهبت إلى المقاطعة، فوجدت إحدى الموظفات تسب أحد المواطنين، ولا تقوم بعملها على أكمل وجه، (ومحتجبا ملفوق)». كأن عند ارتداء المرأة لرداء يغطي عورتها لمنع نشر الفتنة، تصبح معصومة عن الخطأ، وتتغير جلدتها من مغربية لا تقوم بعملها كما يجب، ولا تسيطر على أعصابها، ولا تحترم القوانين كجميع المغاربة، إلى مثال للعفة والأخلاق والشرف! كما أصبحت تجد عددا هائلا من المتحجبات اللواتي غيرن طريقة كلامهن وسلامهن ليكن عند حسن ظن مجتمعهن متناقض الأسس، ولأنهن لم يسلمن أيضا من مخالب التقليد الأعمى، فتسمع مفردات شرقية لم تعهد جداتنا اللواتي لم يزلن «اللتام» عن وجوههن سماعها، مثل «الأخوات»، «الله يكرمك»، وطرق في اللباس مستوحاة من المجتمعات الخليجية أو الباكستانية لا تمت للمفهوم الشرعي للحجاب بصلة. وبخصوص «متحجبة من الفوق»، كم مرة تسمع من يشتم هذا «الحجاب المتبرج» الجديد، الذي يدعي البعض أنه يثير الانتباه أكثر من التبرج الكامل، ويصفه آخرون ب«من الفوق باكستان ومن تحت مريكان». فهذه الظاهرة لها خلفيات مهمة، يجدر الوعي الكامل بها قبل انتقاد هؤلاء الفتيات اللواتي أقدمن على خطوة كبيرة في دينهن وحياتهن، ولكن لم يقدرن على استكمالها بالطريقة اللائقة. وقد يحتجن إلى وقت للتدبر تثبيتا للنفس أكثر منه تسويفا ليستسلمن لفرض ربما احتاج الدعم في زمن تشتتت فيه الإرادات. فليس من السهل على جيل من النساء الصغيرات اللواتي تكونت شخصياتهن في فترة كان الدين بعيدا عن المجتمع المغربي بعد الكعبة عن المحيط، حيث كان الشيخ كيشك هو الداعية الوحيد الذي لا أحد يسمعه، والحجاب شبه منقرض، والمصلي وحافظ القرآن يلقبه «المتمدنون» بالخميني، وكان الذهاب إلى البحر ولبس «لميني جيب» وشرب السجائر قمة في التمدن ودليل على أن المرأة واعية ومتحضرة ومتعلمة أيضا، إلى آخره من وسائل جاء بها الاستعمار لكنس هوية المغاربة، ومن الصعب على فتيات كبرن وهن يحلمن بإعادة فترة السبعينيات التي تفتخر الأمهات بالتحدث عنها، ولا يهدأ الإعلام العربي للبلدان الإسلامية من إحيائها بأفلام وأغاني عبد الحليم وأم كلثوم، أن يطالبن بأن ينسين كل ما لقن إياه وعشنه، ويمتثلن للكم الهائل من الدعاة الذين ملؤوا الفضائيات لإحياء أصول الدين فينا من جديد، وتذكيرنا بهويتنا التي ضاعت عندما أزيل «الحايك» و«اللتام» من على وجوه جداتنا. كيف لهن إذن أن يستسلمن بهذه السهولة، في زمن «شاكيرا، وبريتني سبيرز، وبيونسي»، ناهيك عن العربيات أمثال «هيفاء» اللواتي يمثلن الهاجس الأكبر للنساء، محاولات جاهدات التمثل بهن ليصبحن عند حسن ظن الرجال. إنها مقاومة شرسة، وحرب نفس لا تنتهي بين ديننا الذي يفرض علينا ما يحمينا ويحافظ على كرامتنا وعفتنا، وبين بريق الجمال وفتنة الملابس. هل يجب على المرأة إذن عند نيتها ارتداء الحجاب أن تغير من عاداتها كاملة وسلوكها، وتتخلى عن المقهى والسينما والأصدقاء والعصير، والضحك والتنزه لساعات في الشارع؟ أم هو مجرد ثوب واسع؟