بعد أن تعذر على العديد من المرشحين تقديم أنفسهم للمارة وطرق أبواب الأسر المحبطة بتلاعباتهم. قرر هؤلاء تسخير الأطفال في حملاتهم الانتخابية، والاعتماد عليهم في إيصال رمز وشعار وبرنامج الحزب إلى الناخبين، تجنبا للشتائم والاستفسارات و«المحاكمات» التي قد يتعرضون لها من طرف الناخبين. والتي قد تصل إلى حد الرجم بالأحجار أو البصق في وجوههم. لم يكن بالإمكان إقناع حميد، ابن العاشرة ربيعا، بالعدول عن خوض غمار المشاركة في الحملة الانتخابية التي يقودها رفقة بعض الأطفال والشباب لفائدة مرشحي إحدى اللوائح الانتخابية بدائرة ابن سليمان، فالأجواء الغريبة والملصقات والأوراق التي منحت له من أجل توزيعها على المارة عبر الأزقة والشوارع و على مرتادي المقاهي جعلت منه طفلا متحمسا مسؤولا يؤدي واجبا «وطنيا» بامتياز، وأخرجته من دوامة تلقي الأوامر والتصغير التي ما فتئ والداه والمقربون ينعتونه بها من قبيل (أش تعرف، سير تلعب، هضرة لكبار هاذي...)، بل إن حميد الذي تردد كثيرا قبل محاورة «المساء» يجهل اسم وكيل اللائحة التي يقوم بالدعاية لها، ولا يعرف سوى شعار الحزب. ويؤكد أن مرشحي الحزب قادرون على تحقيق أماني وأحلام سكان المدينة، وأبان حميد، الذي تنتظره الامتحانات الجهوية لنيل الشهادة الابتدائية، عن فصاحة في اللسان وهو يسرد برنامجا وهميا للحزب، ويعدد حسنات مرشحيه الذين يجهلهم، وقدراتهم الخلاقة على توظيف العاطلين وتعطيل المفسدين. وأعطى أمثلة كثيرة لعدد من أبناء جيرانه الذين شقوا مسيرتهم بتفوق بعد أن تدخل لهم الحزب وشغل بعضهم كما ساهم في تهجير آخرين إلى خارج الوطن. لم يكن حميد وحيدا في مهمته، فقد تهافت المرشحون الذين استعصى عليهم ولوج بعض الأماكن العمومية على تشغيل الأطفال خلال فترة الحملة الانتخابية الرسمية بكل من دائرتي ابن سليمان والمحمدية، لجس نبض سكان بعض الأحياء والدواوير التي يتجنبون دخولها خوفا من رجمهم بالأحجار ونعتهم بأقبح الصفات، واعتمدوا على براءة الأطفال وسذاجة بعضهم في شرح وإبراز برامجهم، في محاولات يائسة لاستدراج الناخبين وكسب أصواتهم. واسترسل حسن، طفل بعالية بالمحمدية يتابع دراسته بالمستوى الخامس ابتدائي، في مغازلة وكيل لائحته والثناء على صفاته المتعددة في محاولات جادة لتمرير خطاب ألف ليلة وليلة الذي استعصى على وكلاء اللوائح ومساعديهم تمريره لمواطنين أحبطتهم خيبات الأمل المتوالية والوعود الكاذبة التي تلقوها طيلة الحملات الانتخابية السابقة. فقرروا تلقينه للأطفال، ولم يكد حسن ينتهي من خطابه حتى التحق به العشرات من الأطفال يرتدون مثله أقمصة وطرابيش مزينة بشعار الحزب، وألسنتهم تتسابق في ترديد شعارات لقنت لهم. مثل بدر وحسن وحميد العديد من أقرانهم انشغلوا عن الدراسة في أوج الامتحانات الختامية، وخرجوا دون علم أسرهم للدعاية مقابل مبالغ مالية أو ولائم، أو بهدف إبراز الذات، فمنهم من اكتفى بمعدات الحملة الانتخابية من أوراق وأقمصة وطرابيش وخاض غمار الحملة، ومنهم من غرر به عن طريق منحه كل مساء مبلغا ماليا أو تعويضا معنويا يزيده هبة ووقارا وهميا أمام أقرانه. ولعل المتتبع للحملات الانتخابية الباردة التي تنظمها معظم الأحزاب المشاركة داخل وخارج المدينة الخضراء التي فقدت خضرتها بسبب تهاون من تلقوا بالأمس ثقة الناخبين، ومدينة الزهور التي لم تستطع زهورها أن تحجب التلوث البيئي الذي تعيشه أجواؤها نموذج لذلك، يرى أن وكلاء اللوائح يعتمدون في كل تحركاتهم على الأطفال ونخبة من الشباب يلهثون وراء التعويضات اليومية، أكثر من لهفهم على نجاح لائحتهم. فالعديد من الشباب ضمنوا التجوال اليومي عبر سيارات مستأجرة من طرف مرشحين، فيما ضمن آخرون وسائل التنقل من أجل اقتناء عدة الليالي الحمراء وإحيائها على حساب وكلاء اللوائح، خصوصا بعد أن فطن أحد وكلاء هذه اللوائح إلى طريقة لضمان صرف النقود في الكحول وذلك بمنحهم (بونات الروج) بدل النقود. كما أن أصحاب الشاحنات والعربات فضلوا ترك أشغالهم التي تضمن لهم قوت أسرهم اليومي، وخاضوا غمار التنقيب عن أصوات داخل الإقليم تزيد من حظوظ المرشحين الموالين مقابل رشاوى ووعود كاذبة.