مباشرة بعد إعلان حزب الأصالة والمعاصرة خروجه إلى المعارضة خلال ندوة صحافية وسط العاصمة الرباط يوم 29 مايو 2009، اتجهت الأنظار إلى مقر حزب العدالة والتنمية بحي الليمون لمعرفة رد فعل الحزب الإسلامي تجاه هذا الإجراء الذي جعل حكومة عباس الفاسي بدون أغلبية، وهي الحكومة التي لم ينفك حزب بنكيران يوجه إليها انتقادات لاذعة منذ إنشائها شهر أكتوبر 2007. توقعات البعض ذهبت في اتجاه التأكيد على أن الحزب الإسلامي لن يتأخر في التقدم بملتمس رقابة لسحب الثقة من حكومة الفاسي، وإسقاطها لتكون بذلك أول تجربة من نوعها في البلاد، في حين راجت أنباء أخرى تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية قد يستجيب لتطلعات أمينه العام الحالي، عبد الإله بنكيران، ويقبل المشاركة في حكومة هي مستعدة للتشبث بأي خيط أمل لامتصاص ضربة الهمة وضمان الاستمرارية. أما الفريق الثالث، فرأى أن العدالة والتنمية لن يغامر برصيده في المعارضة بالمشاركة في حكومة لا تتمتع بالشعبية اللازمة بسبب حصيلتها «غير المقنعة»، وسيحافظ على موقعه في المعارضة، ليعوض إما بالحركة الشعبية أو الاتحاد الدستوري. وفي الوقت الذي كان فيه الجميع ينتظر طبيعة رد فعل الحزب المعارض الذي عقد اجتماعا «عاجلا» لأمانته العامة، سارع كل من فؤاد عالي الهمة والوزير الأول عباس الفاسي إلى الاتصال بالأمين العام بنكيران، الأول ليضمن حسن جوار في المعارضة والاتفاق على «هدنة» بعد سلسلة ملاسنات عبر وسائل الإعلام، بدأها الهمة مع أول خروج إعلامي له على القناة الثانية شهر سبتمبر 2007 لينهيها بزيارة لمنزل بنكيران بعيد إعلانه الخروج من الائتلاف الحكومي. أما بخصوص الفاسي، فقد أكدت تقارير إعلامية (مجلة «لوبسيرفاتور» عدد 34، بتاريخ 5 11 يونيو 2009) أن هدفه من الاتصال الهاتفي كان هو ثني الحزب عن اتخاذ مواقف مفاجئة «غير مدروسة». ويبدو أن حزب بنكيران استجاب لجميع الأطراف وقبل بهدنة الهمة، كما قبل بعدم التسرع في اتخاذ خيارات قد تضر بحكومة الفاسي ذات الأقلية البرلمانية، خاصة بعد الاتصال الهاتفي لملك البلاد محمد السادس الذي جدد الثقة في الفاسي ووزرائه. لكن بالنسبة إلى البعض، فقرارات العدالة والتنمية لم تملها فقط شروط الحرص على التوازنات السياسية مع الهمة والفاسي، وإنما تعود بالأساس إلى أسباب موضوعية لا تترك «العدالة والتنمية» أمام خيارات كثيرة، أو على الأقل أمام خيارات أخرى غير تلك التي اتخذها عمليا. ويشرح الدكتور سعيد خمري، أستاذ السياسة والقانون الدستوري، في اتصال مع «المساء»، أن خيار إسقاط الحكومة عبر تقديم ملتمس رقابة من طرف حزب العدالة والتنمية أو غيره «أمر مستبعد، على الأقل في المدى القريب، أولا لأن هناك ضمانة ملكية لاستمرار الحكومة الحالية، وإن كانت مشروطة بأدائها، وثانيا لأن ملتمس الرقابة المسقط للحكومة يتطلب قبولُه توقيعَ ربع النواب بالنسبة إلى الغرفة الأولى على الأقل، أو ثلث المستشارين بالنسبة إلى الغرفة الثانية». ويضيف خمري أن الموافقة على ملتمس الرقابة تتطلب تصويت الأغلبية المطلقة، أي نصف الأصوات زائد واحد في الغرفة الأولى من أصل 325، أو تصويت أغلبية ثلثي الأعضاء في الغرفة الثانية، أي موافقة 180 مستشارا من أصل ،270 وذلك حسب ما ينص عليه الفصلان 76 و77 من الدستور. وفي نظر الخبير المغربي، فإن عدد نواب الحزب «الإسلامي» بمجلس النواب لا يمكّنه من تحقيق هدفه، مثلما هو الحال بالنسبة إلى حزب الأصالة والمعاصرة نفسه الذي رغم هجرة النواب الجماعية إليه فإنه يبقى عاجزا عن إسقاط الحكومة. وإذا كان خيار ملتمس الرقابة مستبعدا لصعوبة توفير الشروط القانونية التي يتطلبها، فإن المشاركة الحكومية تبدو خيارا مناسبا للعدالة والتنمية الذي ما فتئ يوضح أنه وجد من أجل المشاركة في تدبير الشأن العام وفق شروط محددة. وهذا ما تؤكده النائبة البرلمانية عن الحزب، سمية بنخلدون، التي حرصت، في اتصال مع «المساء»، على توضيح أن الحزب يقبل بالمشاركة في التدبير الحكومي من ناحية المبدأ، مشددة على أن ذلك قرار يتخذه المجلس الوطني للحزب الذي يعد بمثابة برلمانه الداخلي. وتشرح سمية قائلة: «في حالة ما إذا عرض على الحزب مقترح بالمشاركة الحكومية، فإن الهيئات القيادية تدرس المقترح من مختلف جوانبه وتقيم الظرفية السياسية المحلية والدولية، ثم تبلور مشروعا يحسم فيه المجلس الوطني بالرفض أو القبول». مصدر آخر مسؤول بالحزب، فضل عدم الإشارة إلى اسمه، أكد، في حديث مع «المساء»، أن الحزب حسم أمره برفض المشاركة في حكومة عباس الفاسي خلال اجتماع الأمانة العامة بعيد إعلان حزب الهمة خروجه إلى المعارضة لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها الحصيلة غير المقنعة للحكومة. وهو ما يؤكده الدكتور خمري، في تصريحه ل«المساء»، بقوله إن «سيناريو مشاركة حزب العدالة والتنمية في الحكومة مستبعد، فلا أعتقد أنه سيجازف بالدخول في الحكومة لأول مرة في تاريخه السياسي ليتحمل عبء حصيلة غير مقنعة. قد يحدث ذلك مع الحركة الشعبية أو الاتحاد الدستوري بعد الانتخابات الجماعية، لتعويض الأصالة والمعاصرة والظفر بوزارة التربية الوطنية المحسوب صاحبها على حزب الجرار أو حقائب وزارية أخرى بعد إجراء تسويات، وقد نتصور سيناريوهات أخرى لكن مؤشراتها لم تكتمل، على الأقل في الأمد القريب». ويعتقد مراقبون أن مرحلة ما بعد استحقاقات 12 يونيو الجاري الجماعية ستكشف كثيرا من العناصر الكفيلة بتوضيح صورة مستقبل الحكومة الحالية التي من المفترض أن تشن، مباشرة بعد ظهور النتائج وصياغة التحالفات، حملة بحث عن أغلبية جديدة تعوض ما ضيعه الهمة وفاقه.