بينما يرى باحثون أن إمكانية إجراء تعديل حكومي باتت تلوح في الأفق، خاصة عند الدخول البرلماني المقبل وعندما تتضح الخارطة السياسية بشكل أكبر، عقب إجراء الاستحقاقات الانتخابية، فإن هؤلاء الباحثين يختلفون بخصوص حجم هذا التعديل المرتقب؛ فيذهب البعض إلى حد القول بإنهاء ولاية الوزير الأول عباس الفاسي وتعويضه بآخر، في حال ما إذا تم اللجوء إلى تقديم ملتمس رقابة وصودق عليه من طرف غالبية نواب الأمة، بينما يرى جانب من الباحثين صعوبة سلك مسطرة تقديم ملتمس رقابة، وهو ما يعني اكتفاء السلطات العليا بإجراء تعديل تقني بسيط جرى العمل به على عهد حكومات سابقة. وبين هذا الرأي وذاك، يظهر السياسيون كثيرا من التردد، سواء إزاء «إسقاط» الحكومة أو أي «تعديل» قد يضم هذا الحزب أو ذاك إلى الفريق الحكومي القائم. ويرى أستاذ العلوم السياسية، محمد الدويري، أن احتمال إجراء تعديل حكومي بات ممكنا خاصة مع الدخول البرلماني المقبل، إذا ما لجأت المعارضة إلى تحريك الفصل 76 من الدستور من خلال تقديم ملتمس رقابة، والذي قد يسقط الحكومة الحالية، في حال ما إذا تم التصويت على المقترح من طرف غالبية أصوات مجلس النواب. ويضيف الباحث في المؤسسات الدستورية أن المنهجية الديمقراطية، التي ما فتئ ملك البلاد ينادي بها، قد تتوفر ظروف تطبيقها أيضا، على غرار إجراء الانتخابات التشريعية، في حال ما استطاعت المعارضة كسب التأييد اللازم من طرف مختلف مكوناتها وتجميع النصاب القانوني الكافي لتفعيل ملتمس الرقابة. وحسب المعطيات الموضوعية، فكل الظروف مواتية للجوء إلى الفصل 76، الذي لم يتم تحريكه طوال التاريخ الحديث للمغرب إلا في مناسبتين سابقتين، وشروط تحريك ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة هي متوفرة الآن، يقول الباحث الجامعي، حيث إن انتقال حليف أساسي إلى المعارضة بقدرما يشكل نكسة لأغلبية عباس الفاسي، فإنه سيكون مكسبا للمعارضة، إذا ما استغلت جيدا الكم العددي للأصوات النيابية المنتقلة إلى الصف المعارض بالبرلمان. وستكون المناسبة فرصة لحزب العدالة والتنمية الذي ظل، منذ مجيء الحكومة الحالية، يردد خطابات تصب كلها في اتجاه عدم الرضى، بل إن من الأصوات المنبعثة من داخل الحزب من توجه سيلا من الانتقاد اللاذع إلى الحكومة وإلى عباس الفاسي شخصيا مطالبة إياه بالرحيل، كما أنها فرصة لحزب الحركة الشعبية كذلك الذي قد يعود إلى الحكومة، لكن عبر منهجية ملتمس الرقابة وليس عبر صناديق الاقتراع مباشرة. ويبدو أن موقفي قطبي المعارضة الحالية ليسا بذلك الوضوح الذي يسمح بالقول إن الذهاب إلى تحريك الفصل 76 سيكون سهلا، حيث اكتفى قياديون من الحزبين بقول ما مفاده أن «لكل حادث حديث»، إنْ بخصوص الانضمام إلى حكومة عباس الفاسي في إطار تعديل تقني بسيط لتعويض خروج حزب الأصالة والمعاصرة منها، أو في ما يتعلق باللجوء إلى ما يمنحه الدستور من إمكانية إسقاط الحكومة عبر آلية ملتمس الرقابة. وفي تصريحات مختلفة لعدد من قياديي الحزبين ل«المساء»، بدا هؤلاء أكثر ترددا في قطع الشك باليقين، وتوضيح ما إذا كان الحزبان سيسلكان طريق «الإسقاط» أم طريق «التعديل»، محاولين التأكيد على أن سلطة البت في أي قرار مهما كانت طبيعته هي من اختصاص أجهزة الحزب، التي يمكنها قول الكلمة الفصل عندما يكون هناك مقترح معروض على الحزبين، سواء للدخول في التشكيلة الحكومية أو للتحالف مع أطراف المعارضة لإنهاء عهد الحكومة الحالية، حتى قبل نهايته الطبيعية. وفي رأي الباحث في العلوم السياسية محمد ضريف، الذي تحدث إلى «المساء» في وقت سابق، يبقى الاحتمال الأقرب إلى التطبيق -في ظل حديث السلطات العليا عن التزامها باحترام المنهجية الديمقراطية، وكذا في ظل تلويح قيادة الأصالة والمعاصرة بعدم اللجوء إلى ملتمس رقابة- هو إجراء تعديل تقني طفيف على التشكيلة الحكومية القائمة أو استمرارها لإتمام ولايتها بأقلية، تماما كما وقع مع حكومة اليوسفي السابقة عندما واصلت ولايتها بدون أغلبية لأزيد من سنتين، كما ذكر ذلك محمد الشيخ بيد الله، أمين عام الأصالة والمعاصرة، في إشارته الضمنية إلى عدم وجود نية لدى حزبه في اللجوء إلى مسطرة إسقاط الحكومة. وحتى إذا ما كانت لدى حزب الأصالة والمعاصرة، «الوافد الجديد» على المعارضة والذي يتوفر على 46 نائبا برلمانيا، رغبة حقيقية في تحريك ملتمس الرقابة، فإنه من الصعب جدا حصول المقترح على تصويت الأغلبية المطلقة بالغرفة الأولى، أي ما مجموعه 163 صوتا، حتى وإن تمكن من جمع توقيعات ربع مجموع أعضاء مجلس النواب، وهو 82 توقيعا، كما يقتضي الدستور ذلك. من هنا، فإن سيناريو أي تعديل مرتقب لن يكون بحجم التغيير الجذري في التشكيلة الحكومية الحالية، وسيقتصر في الغالب على تغييرات تقنية على وزراء بعض القطاعات، خاصة تلك التي أثارت جدلا في الآونة الأخيرة، كي يعطي ذلك الانطباع للشعب بأن الأمور تتغير على مستوى المؤسسات؛ هذا من جهة ومن جهة ثانية، فإن الإجراء التقني الطفيف يظل إمكانية متاحة للملك، كما ينص على ذلك الدستور، حيث يمكن القيام بتعديل بسيط يقتصر على تغيير أشخاص بآخرين، يقول ضريف، وهي الصلاحية الدستورية الواردة دائما، والتي سبق تطبيقها على عهد حكومات سابقة، تماما كما حدث بالنسبة إلى حكومة إدريس جطو، المشكلة سنة 2002 والتي أقدم الملك في سنة 2004 على إدخال تعديل تقني عليها، فالتحق بها عدد من الوزراء من التقنوقراط، ولكن تحت مظلة التجمع الوطني للأحرار.