إذا أردتم أن تعرفوا حقيقة مناخ الأعمال فلا تشاهدوا الوزراء في التلفزة أو في الندوات، بل تابعوا حالة المقاولات، وبصفة خاصة المتوسطة والصغرى، التي تشكل 95% من النسيج الاقتصادي. اليوم تعيش هذه المقاولات أياما عصيبة جراء ندرة في السيولة. فالأبناك شحت منابعها وتقلصت ودائعها مع نهاية شهر ماي مقارنة بنهاية دجنبر من العام الماضي. وهذه سابقة لم تعشها البنوك المغربية من قبل وذلك جراء تقلص ترحيلات مغاربة المهجر ب15%، لذلك أصبح الحصول على قرض بنكي من الصعوبة بمكان وقد أثر هذا بشكل مباشر على مستوى استثمارات المقاولات الصغرى والمتوسطة. بيد أن أخطر ما يواجه هذه المقاولات ويهدد وجودها هو آجال الأداء التي بلغت حدا خطيرا يستوجب تدخل الدولة. فآجال الأداء التي كانت تتأرجح بين 30 و60 يوما أصبحت تتجاوز 180 يوما، أي ستة أشهر، فمن أين ستؤدي المقاولات نفقاتها الثابتة من أجور وضرائب وممونين (بالنسبة لنا في «المساء ميديا» وصل هذا الأجل إلى 195 يوما حسب تقرير خبير المحاسبات والبركة في بعض وكالات الإشهار! المقاولات تجد اليوم صعوبات جمة لتجميع وتحصيل الديون لتسدد فقط أجور العاملين، أما أداء الممونين، فأصبح من الكماليات، وهكذا أصبح هؤلاء الممونون يعجزون هم الآخرون عن أداء فواتيرهم وقروضهم و«دارت الدورة» لتصبح الدورة الاقتصادية شبه جامدة، مما يهدد المقاولات في استمرارها. وما زاد الطين بلة هو استغلال بعض المقاولات الكبرى هذه الظرفية لتعوض قروضها البنكية بفرضها قروض ممونين، أي أنها أصبحت تفرض على الممونين قروضا بآجال أطول وليتدبر هؤلاء الممونون أمرهم مع الأبناك. قد تبدو للبعض أن هذه الأمور تقنية، لكنها حيوية وعلى قدر كبير من الأهمية بالنسبة للمواطن. فهذا الأخير الذي يتطلع إلى تحسين وضعه المادي إذا كان يشتغل أصلا أو يبحث عن عمل إذا كان عاطلا، عليه أن يطلع على مثل هذه الحيثيات ليكون مستعدا نفسيا لما هو قادم. فالخطابات الرسمية التي تبيع الوهم ليست هي التي ستمنح المقاولة المغربية إمكانات تأدية الأجور والضرائب ومختلف المصاريف ثم التفكير في الاستثمار والتشغيل. إن المحاكم تعج بالشيكات والكمبيالات غير المؤداة ووصل مبلغها إلى 100 مليار درهم، وهذا في حد ذاته يشكل قنبلة موقوتة. فماذا فعلت الحكومة؟ الخطاب الرسمي يجب أن يكون واقعيا ويتدخل لدى الأبناك لتنخرط في تذويب الجليد عن القروض الممنوحة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، والحكومة مجبرة على تقنين المعاملات التجارية. لقد أصبح لازما عليها أن تسن قانونا يفرض على الزبون أن يؤدي داخل أجل لا يتعدى 60 يوما ويفرض على الممون ألا يمنح أجل تسديد يفوق 60 يوما كذلك حتى يمكننا أن ننقذ هذه المقاولات التي تشكل 95% من النسيج الاقتصادي ونوقف «تشحيم» المقاولات الكبرى، ومنها مقاولات «تشحم» مستثمرين أجانب بملايير من العملة الصعبة وتلك حكاية أخرى!