أعلن المغرب عن مخطط لمساعدة بعض المقاولات العاملة في قطاعات النسيج والجلد ومكونات السيارات على مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الدولية، وفي هذا الحوار الذي نقترحه مع حماد قسال نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، نتعرف على وجهة نظره حول دواعي المخطط وسبل تحقيق الأهداف التي رسمها. - هل الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة من أجل التصدي لتداعيات الأزمة في بعض القطاعات واضحة في أذهان أرباب المقاولات المغربة؟ < يرمي هذا المخطط إلى الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية على بعض القطاعات، حيث يستهدف قطاعات النسيج والجلد والسيارات، وهو مازال غير واضح بالنسبة إلى المقاولات، وذلك دور يفترض أن تضطلع به الفيدراليات المهنية عبر مجهود تواصلي، حتى تحدد المقاولات التي يمكنها أن تستفيد وتلك التي يجب أن تستثنى، على اعتبار أنه وضعت معايير كي يوجه الدعم إلى المقاولات التي تستحقه، حتى لا تستفيد المقاولات التي كانت تواجه صعوبات قبل أن تثور الأزمة الأخيرة. البرنامج بحاجة إلى التوضيح وهذا الدور يجب أن تقوم به الفيدراليات التي تمثل القطاعات الثلاثة التي حددها المخطط. - الدعم لن تستفيد منه سوى المقاولات التي تثبت أن رقم معاملاتها تراجع ب 20 في المائة جراء الأزمة، كيف يمكن التحقق من ذلك؟ < العملية بسيطة، حيث سيجري النظر في حسابات المقاولات التي تدعي تعرضها لخسائر، خاصة في الجانب المتعلق برقم مبيعاتها في 2008، والوقوف عند تطوره خلال الشهرين الأولين من السنة الجارية، فإذا تراجعت مبيعاتها والطلبيات التي توجه إليها خلال هذين الشهرين مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، تكون مستحقة للدعم، لأننا نكون قد تأكدنا من أن تلك المقاولات تأثرت بالأزمة. هذا معيار احترازي وضع لأننا نعلم أن ثمة مقاولات سوف تدعي أنها يجب أن تستفيد، رغم أنها توجد في وضعية جيدة، كما أن ثمة مقاولات لا تعتبر الأزمة الحالية سببا في الصعوبات التي تواجهها، وستسعى إلى الحصول على الدعم. - رام البرنامج الحفاظ على مناصب الشغل، لكن ألا يمكن أن تجد بعض المقاولات المستفيدة من الدعم مبررات لتسريح العمال؟ < البرنامج لا يشير في أي مقتضى من مقتضياته إلى تسريح العمال، فالدولة ستأخذ على عاتقها تحملات المقاولات المعنية تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبعض التحملات التي تكون عائقا أمام الحفاظ على اليد العاملة. القانون يمنح للمقاولة التي تعاني من صعوبات أن تعلن عن عطالة تقنية، شريطة الحفاظ على حقوق العمال. لكن البرنامج حريص على الحفاظ على مناصب الشغل، وقيد الحالات التي يلجأ فيها للتسريح. - لكن في تفاصيل المخطط ثمة مقتضيات يمكن أن يفهم منها أن الحكومة تجيز للمقاولات تخفيض الأجور، فما الفائدة من الحفاظ على الشغل، ثم النيل من القدرة الشرائية للعمال؟ < إذا كان دخل المقاولة يتراجع، فهي توجد أمام حلين لا ثالث لهما: إما أن تتوقف عن الإنتاج وتسرح العمال، وإما أن توزع ساعات العمل بين العاملين لديها وتحافظ لهم على دخل معين. نحن نعتبر أن هذه الأزمة عابرة، و لا بد من الحيلولة دون فقدان المقاولات القائمة. - الدولة اختارت إحداث سبيل ضمان قروض المقاولات لدى الأبناك، هذا في الوقت الذي اقترح فيه عادل الدويري، رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، اللجوء إلى تعبئة جزء من فائض الميزانية وتوجيهه منح قروض مباشرة للمقاولات التي تعاني من الأزمة. لماذا لم يجر الالتفات إلى هذه الفكرة؟ < أنا لا أشاطر الدويري رأيه حول القروض المباشرة للمقاولات، وهذا هو السبيل الذي اختارته تونس. نحن نعتبر أنه لا يمكن أن ينجح هذا المخطط إلا إذا تم تسريع وتيرة تنفيذه، على اعتبار أن البطء سيكلفنا كثيرا، غير أنه يجب اختيار المقاولات المستهدفة، التي يفترض فيها أن تكون أمينة في تشخيص وضعيتها وأن تستثمر الأموال التي ستتلقاها في الغرض المحدد الذي من أجله حصلت عليها للحفاظ على التشغيل، إذ لا يعقل أن ترصد الأموال لشركة في قطاع النسيج وتوجهها للمضاربة في العقار. - هل دافع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في المباحثات التي أجراها مع الحكومة،عن فكرة منح قروض مباشرة للمقاولات؟ < نحن ألححنا على أن السبيل الوحيد لإنقاذ المقاولات يتمثل في تسريع مسطرة الدعم الذي حدد أجل التوصل به في شهر واحد، وإلا ستتفاقم وضعيتها. الفكرة التي يدافع عنها الدويري طبقتها بعض البلدان جيدا، لكن نحن أكدنا بقوة في ظل المخطط الذي اعتمد في الأسبوع الماضي على تسريع وتيرة الدعم. كل يوم يمر دون أن نتحرك سنفقد شركات. هدفنا هو الحفاظ على الشغل من أجل دعم الاستهلاك الداخلي. لقد قلنا للكومة: لقد تأخرت كثيرا. نبهنا إلى الخطر القادم، لكن الحكومة أنكرت الأزمة في البداية. أما وقد وقع ما وقع، فنحن نلح على التعجيل بتنفيذ ما اتفق عليه. - أنتم تتحدثون عن التعجيل لكن عدد المقاولات التي ستستفيد من الدعم لم يعرف بعد؟ < أعتقد أن الفيدراليات، التي تنضوي تحت لوائها المقاولات المتضررة، لها فكرة عن وضعيتها التي يمكن معرفتها من خلال مؤشرات محددة، مثل مدى وفاء المقاولات بما في ذمتها تجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ نشوب الأزمة. وأنا أعتبر أن ثمة فيدراليات تقوم الآن بإحصاء المقاولات التي يفترض أن يؤول إليها الدعم. - بالنسبة إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة، ألن تكون ضحية الأزمة رغم الدعم؟ < المقاولات الكبرى عندها فائض في الأرباح وتحظى بدعم الأبناك و لها حضور في السوق الداخلي، أما المقاولات الصغرى والمتوسطة ، خاصة التصديرية منها، فتكون هي الضحية الأولى عندما ترتفع نسب الفائدة البنكية نتيجة ارتفاع الضغط على التمويل بفعل نقص السيولة في السوق. و في هذه الحالة، تعتبرالأبناك أن التعامل مع المقاولات الصغرى والمتوسطة ينطوي على مخاطر فتمعن في رفع سعر الفائدة، علما بأن أرباح هذا الصنف من المقاولات تكون ضعيفة، فتخرج من سوق التمويل. غير أن الأبناك وعدت بدعم تلك المقاولات التي تمثل 95 في المائة من النسيج الإنتاجي الوطني، علما أن المقاولات في ظل الأزمة تحاول تقليص المخاطر وتمويل المقاولات التي لا تنطوي على مخاطر كبيرة. - هل تعتقدون أن الأبناك ستفي بما التزمت به؟ < الأبناك تجني أرباحا كبيرة مع المقاولات الصغرى والمتوسطة، لأن المقاولات الكبرى تتوفر على هامش كبير لفرض سعر الفائدة الذي تريده. وقد وعدت الأبناك بتأجيل سداد ديون المقاولات الصغرى والمتوسطة وإعادة بعض الخطوط الائتمانية الخاصة بهذا الصنف من المقاولات. اليوم يجب أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في تسريع وتيرة الدعم والأبناك في مساندة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة، غير أنه يجب أن تحرض المقاولات من جانبها على استعمال ما تتلقاه من أموال في تحسين وضعيتها. - ما الذي جعل المقاولات المغربية في القطاعات التي يستهدفها الدعم حساسة جدا للأزمة؟ < في المغرب، لا يوجد خيط ناظم بين مختلف المخططات القطاعية التي وضعها المغرب، ونحن طالبنا بأن يكون ثمة تنسيق بين مختلف هذه المخططات من أجل خلق دينامية قوية, أظن أن الحكومة تفهمت هذا المطلب. لكن مع الأسف نلاحظ أن المخططات لم تنضج بعد. أنا أعتبر أن بعض القطاعات في مخطط «انبثاق» الصناعي ستطرح خلال الخمس سنوات القادمة نفس المشاكل التي عرفها قطاع النسيج، فكل القطاعات التي تعتمد على يد عاملة رخيصة لا تبني اقتصادا، فما نسميه القطاعات «الطيارة» مثل «الأفشورينغ» ستختفي من المغرب إذا ما ارتفعت فيه كلفة اليد العاملة. بيد أنه إذا أردنا بناء اقتصاد وطني قوي، لا بد من تحسين مناخ الاستثمار والأعمال في المغرب، والاعتماد على القطاعات التي نتحكم في مواردها الأولية مثل الصناعات المرتبطة بالصيد البحري والصناعة الغذائية، وإصلاح نظام التربية والتكوين. إذا لم نبن اقتصادا على هذه الأسس، لن تحقق المخططات الأهداف المرجوة.