أثارتْ ترجمة الأستاذ حسن حلمي لمختارات من شعر هولدرلين، صدرتْ حديثا عن دار توبقال (2009) سجالا في الصحافة الثقافية العربية، بين الشاعر اللبناني عبده وازن، المُشرف على الصفحة الثقافية بجريدة الحياة اللندنية، والشاعر المغربي محمد بنيس، المُشرف على إصدارات دار توبقال، ومحرر مقدمة المختارات الشعرية موضوع َالسجال. وقد كان السجال مناسبة «خاصة»، لتطارح قضايا الترجمة في علاقتها بالزمن الثقافي العربي الراهن، وبمصطلحات الأصل، الوفاء والخيانة. في مقالته: «خيانة مزدوجة»، يشجب عبده وازن استمرار «عادة» إصرار بعض المترجمين العرب على «نقل أمهات النصوص العالمية إلى العربية عبر لغة وسيطة». وهي عادة سيئة، «تخطتها حركة الترجمة في العالم»، حيث لم يعُد من المقبول اليوم، «أن يَقرأ الفرنسي رواية يابانية أو هندية أو صينية تُرجمتْ من الإنجليزية». إنها ترجمة تَنِمُّ، برأي عبده وازن، عن عدم احترام للنصوص والقراء، وهي مهما كانت «متينة ومشغولة» فإنها ستظل «ناقصة وعرضية أو مؤقتة». من ثمة، يجد عبده وازن وصفَ محمد بنيس لترجمة حسن حلمي لمختارات من قصائد الشاعر الألماني هولدرلين من الإنجليزية، ب «الحدث»، إطراءً مبالغا فيه ، و«تجاهلا لفعل الترجمة في معاييره الثابتة وشروطه»، خاصة ومحمد بنيس، يملك «خبرة في هذا الحقل، نظرية وإبداعية، وقد قرأ حتما هولدرلين في الترجمة الفرنسية، التي توالى على إنجازها شعراء كبار يلمون بالألمانية». إن «ترجمة خائنة بامتياز»، لايمكن أن توصف بالحدث، في وقت «أصبحتِ اللغات الحية في متناول أي مترجم يسعى إلى إتقانها»، وفي وقت أصبح «المال الثقافي» العربي، يساهم في ترسيخ تقاليد صحية للترجمة. إن ميزات ترجمة حسن حلمي، المتعلقة بالجمال والمتانة وقوة السبك والخلو من الأخطاء والهنات، لا يُمكِن أن تنتصر، برأي عبده وازن، على مبدئها الأساس، المتمثل في الترجمة عن غير اللغة الأم، وهو ما سيجعلها، بشكل مستمر، عرضة للشك والطعن. يؤكد عبده وازن الحاجةَ المستمرة لترجمة هولدرلين إلى العربية، ويُذكر بما عرفته ترجمة فؤاد رفقة للشاعر الألماني من شيخوخة، بالرغم من صدورها عن اللغة الأم، مشددا، في آن، على الحاجة إلى «تحديثها»، منتهيا إلى أن ترجمة حسن حلمي «تظل قابلة للقراءة» وإن كانت غير قابلة للصمود. أنهى عبده وازن مقالته بهذا العتاب : «ليتَ حسن حلمي اكتفى بترجمة الشعر المكتوب بالإنجليزية، كالشعر الأمريكي والبريطاني، فهو نجح فعلا في ما أنجز في هذه الميدان». حرص الشاعر محمد بنيس، في مقدمة رده بجريدة القدس العربي (بعيدا عن كل «خيانة مزدوجة» )، على تلخيص «المبدأ النظري» الذي استند إليه عبده وازن في انتقاد ترجمة حسن حلمي وطريقة تقديمه لها. يتفق محمد بنيس مع عبده وازن في مبدأ الترجمة الشعرية من اللغة الأم، ويلتزم بإبداء رأيه، في حدود مبررات ما كتبه من تقديم، آخذا بعين الاعتبار خصوصية الزمن الثقافي، الذي «نقوم فيه بأفعالنا الثقافية». تتمثل أولى خصائص زمننا الثقافي، برأي محمد بنيس، في «عدم التطابق بين المال الثقافي وامتلاك العالم العربي أغلب اللغات الأجنبية». إن هذا المال الحديث العهد، لم تستفد منه حتى الآن حركة الترجمة. ولذلك، فإن «تكوين مترجمين عارفين بأغلب لغات العالم، لا يعود للمال الثقافي بل للتكوين الجامعي العربي، الذي لم يوفر لنا ما توفر لفرنسا، في شروط تاريخية وثقافية وجامعية مختلفة تماما عن شروط المعرفة باللغات في وضعنا». إن واقع المعرفة باللغات في العالم العربي، في الفترة الراهنة، لا يتعدى، برأي محمد بنيس، «الفرنسية والإنجليزية اللغتين المعروفتين أكثر من سواهما، في حقول قراءة الأعمال الأجنبية والبحث والتأليف والترجمة». أما الخصيصة الثانية، فتتمثل، في رأي محمد بنيس، في ما صرحتْ به له مديرة متحف هولدرلين، من أن أغلب ترجمات هذا الشاعر الفذ تَتمُّ عبر لغات وسيطة. وهو الجواب الذي يقرأ في ضوئه محمد بنيس ترجمة حسن حلمي، مستندا في ذلك إلى «إحدى خصائص زمننا الثقافي، الذي يشترك العرب فيه مع سواهم في العالم». إهمال هذه الخاصية، ينتج عنه، برأي محمد بنيس، فهم التقديم الذي أرفق به الترجمة كمبالغة، بل يكشف، عن «عدم العناية بالزمن الثقافي الذي نشتغل في شرائطه». الخصيصة الثالثة، السياق الأوسع، تكشف عن وجود «ترجمات أعمال من العربية وإليها تَتم، في العصر الحديث، عبر لغات وسيطة». ويذكر محمد بنيس أعمال نجيب محفوظ وأدونيس ومحمود درويش ومحمد شكري، كنماذج تمثل الثقافة العربية، اليوم، في العالم، وقد تمتْ ترجمتها عبر لغات وسيطة، هي الإنجليزية والفرنسية. لغات كثيرة، «لا يتوفر فيها مترجمون من العربية مباشرة، ولا يريد ناشرون وقراء الانتظار حتى يتعلم بعض أبناء لغتهم العربية». إنها إذن خصيصة زمن ثقافي، يكشف عن وجهه الآخر، من خلال وجود ترجمات أعمال من لغات أجنبية إلى العربية عبر لغات وسيطة. ويمثل محمد بنيس لهذا الأمر بترجمة المهدي أخريف لأغلب أعمال بيسوا من الإسبانية، وترجمة بول شاوول لشعر بابلو نيرودا من الفرنسية. يتساءل محمد بنيس، في النهاية،:«لماذا لا يعمم عبده وازن انتقاده على جميع هذه الترجمات، ويعاملها بمثل ما عامل به ترجمة حسن حلمي التي... صرحتْ بأصولها المتميزة في الثقافة الأنجلوساكسونية؟». يصدر الشاعران عبده وازن ومحمد بنيس، في الواقع، عن وعي نظري مدرك لخصوصية فعل الترجمة ورهاناته التحديثية في مجال الأدب والثقافة، ولكنهما يختلفان في خصوصية تقدير الزمن الثقافي وتدبيره. ففي الوقت الذي يجد عبده وازن أن المال الثقافي بدأ يُنعش الترجمة ولم يعد مقبولا بالتالي، بعد كل هذا التاريخ، أن تتم الترجمة عن لغة وسيطة، يجد محمد بنيس أن هذا المال حديث العهد، وأنه لم يسعف بعد في امتلاك العالم العربي لأغلب اللغات الأجنبية، كما يرى أن ترجمة هولدرلين من لغات وسيطة، ظاهرة عالمية، تشهد بها مديرة متحف هولدرلين، بل إن كثيرا من الترجمات من العربية وإليها تتم، في رأيه، عبر لغات وسيطة.