يتناول الباحث وضاح شرارة في كتابه الجديد «أهواء بيروت ومسارحها» الصادر عن دار النهار، «حياة» بعض المساجد في بيروت ودورها الاجتماعي في الطريق الجديدة والبسطا وغيرهما، ويقدم بحثا سبق أن نشره في إحدى المجلات، عن مطلقات حي اللجافي وما تحمله هذه الظاهرة من نزوع نحو الفردية لدى النساء في العقود الأخيرة، ثم يتطرق إلى يوميات بنت عائلة مهجرة عاشت في مبنى مخرب ومدمر بسبب الحرب. لا تنفصل يوميات الفتاة هذه، عن واقع بيروت ولبنان ككل. كذلك يتضمن الكتاب، فصلا طويلا عن المشي والمشائين والمتنزهين على كورنيش المنارة البحري، ولا يغفل التأمل الفكري في عصر «بيروت الذهبي» وارتياد المقاهي في الستينيات، والتبرج النسائي و«عبدة الشيطان»، والتظاهرات والاعتصامات منذ 41فبراير5002، يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري اليوم المعلوم في تاريخ لبنان الحديث. كل فصل من كتاب شرارة هو محاولة كتابة وجه من وجوه بيروت الاجتماعية والثقافية والعمرانية بلغة فيها شيء من «التعقيد» و»الغموض» و«الإبهام»، فضلا عن شحن في المفاهيم والأفكار والاستنتاجات عن هذه المدينية التي نشأت على شاكلة أحزمة حول أبواب المدينة وسورها القديم. تختلف أحوال أحزمة المدينة بين جيل وآخر، وجالية وأخرى، وقد احتضنت الوافدين إليها، وحملتهم على التأدب بآدابها وشجونها العامة. إنها مدينية التناقضات والأحوال المتفجرة، بل مدينة التغيرات الكبرى إذ لا شيء يبقى على حاله في كنفها، ربما تكون عاصمة عصية على الفهم. يتطرق شرارة إلى عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات في بيروت إذ هضمت أحياء رأس بيروت متصلة أو مسرحا مركبا من ناس وأفراد. انعقدت على هذا المسرح سير أفراد وحيواتهم انعقادا بدا نازعا في إنجاب معايير مبتكرة، خاصة ومتناغمة، تضافرت التيارات والفنون الأدبية والصحافة والمسارح والمعارض وصالات السينما ودور النشر والمهرجانات الغنائية والموسيقية. خرج من أحياء رأس بيروت المزدهرة والمدينة أعداد كبيرة من المتعلمين الجامعيين والمتعلمات، ومزاولي المهن الحرة والمدينة. أطل في الأفق مجتمع الأفراد من غير أن ينفيهم هذا من أهلهم إلى العراء، وتوصلوا إلى الجهر بلغات لا تقتصر على لغة الكلام والكتابة، على معانيها المتعارفة. ما يصدق على التيارات والفنون الأدبية، يصدق مثله وفوقه في دوائر أخرى تبدو بعيدة مثل اللباس والتبرج والمأكل والمشرب والمحادثة فلم تعد الخطوبة مثلا مقتصرة على دائرة العائلة من الأقارب أو المعارف أو الجيران أو أهل البلد. لم يبق صالون تصفيف الشعر والتجميل النسائي خارج الأحياء الأهلية، وعلى الجادات العريضة والميسورة، فدخل الأحياء والطرق الضيقة. وكانت دور السينما دخلت هذه، وأخرجتها الحروب منها.