اندلعت، أول أمس بالمحكمة الابتدائية بالرباط، فوضى عارمة وأعمال شغب عجز رجال الأمن عن احتوائها مباشرة بعد الإعلان عن تأجيل محاكمة حميد شباط، عمدة مدينة فاس، بتهمة القذف والسب في حق المهدي بنبركة. ولم يتمكن حميد شباط من مغادرة مقر المحكمة الابتدائية بسبب المواجهات المفتوحة بين أنصاره وعدد من المحامين، الذين احتجوا على عبارات نابية صدرت في حقهم من طرف أنصار شباط الذي اضطر إلى التخلي عن الابتسامة العريضة التي رسمها بعد إعلان القاضي عن تأجيل الجلسة. ووجد شباط نفسه مجبرا على الاستنجاد بالأمن بعد أن تم سحبه من جلبابه الأبيض من طرف بعض المحامين أثناء محاولته الخروج من باب المحكمة والتوجه نحو أنصاره. الفوضى والشغب غير المسبوقين اللذين عرفتهما المحكمة انطلقا -حسب ما أكده الأستاذ محمد اشماعو، الكاتب العام لاتحاد المحامين الشباب بالرباط- بعد أن تلفظ شباط بعبارات نابية في حق المحامين، وأضاف اشماعو أن عمدة فاس حاول الاعتداء على أحد المحامين في الوقت الذي وفر له فيه أنصاره الحماية وحاولوا إخراجه من قاعة المحكمة. وأكد اشماعو أن رجال الأمن كان من الواجب عليهم اعتقال شباط في حالة تلبس بعد قيامه بسب هيئة الدفاع والاعتداء عليها مدعوما بالمليشيات التي رافقته، وهو ما يعتبر جريمة حسب قانون المحاماة الذي ينص على أن إهانة المحامين تعتبر إهانة للقضاء. وحاصر عدد من المحامين شباط، مطالبين بعرضه على وكيل الملك قبل أن يتدخل رجال الأمن الذين تركوا عددا من المواجهات المفتوحة التي ألحقت خسائر ببعض تجهيزات المحكمة، ليقوموا بتوفير الحماية له من خلال إخراجه من الباب الخلفي قبل أن يلتحق بأنصاره الذين استقبلوه استقبال الأبطال. التوتر بدا واضحا منذ البداية، فقد عرفت جلسة المحاكمة مناقشات حادة بين أعضاء هيئة الدفاع بعد أن طالب البعض بتأجيل المحاكمة لعدم احترام الشكليات المنصوص عليها في القانون، مادام الاستدعاء الذي توصل به شباط كان باسم الشبيبة والرياضة وليس باسم الشبيبة الاتحادية، فيما أصر البعض الآخر على إكمال المناقشة قبل أن يحسم القاضي في الأمر ويقرر تأجيل النظر في القضية إلى الخامس من غشت القادم. لى حدود ذلك، كانت الأجواء داخل قاعة الجلسات هادئة قبل أن يقع تراشق كلامي تورط فيه شباط الذي كان محاطا بأتباعه، وبعدها نقلت الحشود صراعها إلى بهو المحكمة وسط عجز أمني تام. في نفس الوقت، كانت الجموع الهائجة التي تجمهرت بالخارج تحاول اقتحام المحكمة قبل أن تقرر صب جام غضبها على عدد من الصحافيين الذين تعرضوا للاعتداء بعد أن حاولوا تصوير ما يقع. وعلمت «المساء» بأن عددا من المحامين قرروا مقاطعة المحكمة الابتدائية بالرباط إلى حين توفير الأمن مع تقديم شكاية في الموضوع. وكان أنصار شباط قد توافدوا بكثافة، صباح أمس، واتخذوا لهم مكانا أمام المحكمة وهم يوزعون منشورات تحمل صورة شباط وشعار حزب الاستقلال وعبارة «كلنا معك»، كما حرص أنصاره على ارتداء قبعات تحمل شعار الحزب. إلى ذلك، قال حميد شباط إن اتصالات جرت في اللحظة الأخيرة بين الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، وزير العدل عبد الواحد الراضي، والأمين العام لحزب الاستقلال، الوزير الأول عباس الفاسي، نتج عنها تأجيل محاكمته، تجنبا للتداعيات السياسية المحتملة، وقال عمدة فاس إنه علم بالخبر من طرف دفاع الشبيبة الاتحادية داخل قاعة المحكمة، لكنه نفى علمه بأي اتصالات من هذا القبيل، مضيفا أنه كان ضد تأجيل المحاكمة. وأوضح شباط، خلال لقاء مع الصحافيين عقب تأجيل محاكمته، أنه كان يريد أن تكون محاكمته «مناسبة لكشف الحقيقة حول أعمال بنبركة»، وقال: «جئت إلى قاعة المحكمة وفي نيتي تأكيد ما قلته حول المهدي بنبركة الذي قتل من قتل وأعدم من أعدم». وعن الأدلة التي كان يعتزم الإدلاء بها أمام هيئة المحكمة، قال عمدة فاس: «لدي تسجيلات صوتية لشهود على تلك المرحلة ولأبناء الضحايا». وأكد شباط حضوره لبرنامج «حوار» التلفزيوني يوم الثلاثاء المقبل، وقال إنه لم يحصل أي جديد يمكن أن يمنعه من الحضور، حسب الاتفاق الذي حصل داخل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، مؤكدا في الوقت ذاته على أن حلقة البرنامج التي سيشارك فيها ليست للرد على تصريحات محمد الأشعري، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، التي هاجمه فيها في حلقة سابقة من نفس البرنامج، وأنه لن يثير قضية المهدي بنبركة، «لكن إذا أثارها الصحافيون فسأجيب عن أسئلتهم». وهاجم شباط الأشعري ووصفه ب«الفاشل»، واتهمه بتحويل مداخيل جماعة مولاي إدريس زرهون، التي كان رئيسا لها في السابق، إلى حساب خاص عندما أصبح وزيرا للثقافة. وعلمت «المساء» بأن اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الذي عقد مساء أول أمس في غياب عباس الفاسي، لم يسجل أي رد فعل على ما حصل في قاعة المحكمة، وقال مصدر مطلع إن مناخ الاجتماع «كان معبأ لصالح شباط كنوع من الدعم السياسي له».