لم تنزل تصريحات حزب الأصالة والمعاصرة بشأن رفض قرار حكومة عباس الفاسي تفعيل المادة 5 من قانون الأحزاب، المحاربة لظاهرة الترحال السياسي، بردا وسلاما على صدور أغلب الأحزاب السياسية الأخرى، حيث يسود نوع من التخوف لديها من احتمال أن تصيبها، هي نفسها، شرارة هذا القرار، علما بأن الأحزاب كلها إما فقدت بعضا من نوابها أو مستشاريها أو استقبلت بعضا منهم آتين من مؤسسات حزبية أخرى. وإذا كان حزب الهمة واضحا في موقفه وهدد بالعمل على إسقاط الحكومة في حال تم تطبيق مضمون المادة 5، فإن الصمت هو سيد الموقف بالنسبة إلى باقي المؤسسات الحزبية. يأتي ذلك وسط دعوات متزايدة إلى أن يشمل منطوق المادة نفسها المستشارين الجماعيين لتحصين العملية السياسية برمتها وعدم الاقتصار على المؤسسة التشريعية. وتنص المادة المثيرة للجدل على «أنه لا يمكن لشخص، يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان تم انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الانتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة إلى أعضاء البرلمان المؤهلين للترشيح لهذه الانتخابات». الباحث في الشؤون الحزبية والأستاذ الزائر بكلية الحقوق بالمحمدية، رشيد البكر، أكد، من جانبه، أن ظاهرة الترحال السياسي ليست بجديدة، وأن سعي الحكومة إلى محاربتها في هذا التوقيت من خلال تفعيل المادة 5 يثير أكثر من تساؤل. وأوضح البكر، في تصريح ل« المساء»، أن وزارة الداخلية تتوخى من خلال هذا القرار «إبراء ذمتها» أمام المشهد السياسي الوطني بعدما اتهمت، طوال الشهور الماضية، بدعم حزب الأصالة والمعاصرة الذي يعتبر الحزب الأكثر «حصدا» للمستشارين الجماعيين ولأعضاء البرلمان. ويضيف أن وزارة الداخلية، إلى جانب ذلك، ترسل من خلال هذا القرار المرتقب رسالة إلى الجميع مفادها أنها حريصة على تطبيق القانون بحذافيره على جميع التيارات الحزبية، بما فيها حزب الهمة. وبخصوص تأكيد قيادات حزبية أن المادة 5 لا يمكن أن تشمل المستشارين الجماعيين وأنها تعني فقط أعضاء البرلمان، رأى رشيد البكر أن الوقت حان للحسم في تعددية القوانين وحالات الاستثناء وتوضيح الصورة في أذهان الجميع. ويشرح ذلك بقوله: «لا بد من توحيد القوانين وجعلها تشمل كل المنتخبين، سواء كانوا تحت قبة البرلمان أو الجماعات المحلية»، ويضيف موضحا: «أما اختصار الموضوع عند البرلمانيين فهو يعطي إشارات سلبية تحاول أن تعطي المستشارين الجماعيين قيمة أقل من قاطني المؤسسة التشريعية، وهذا غير صحيح». وبالنسبة إلى البكر، فإن منصب ودور المستشار الجماعي أكثر حساسية وأهمية لكونه الأقرب إلى المواطن والمرآة التي تعكس مدى وضوح صورة العمل السياسي والحياة الديمقراطية عند الناس. وهو الأمر الذي يوافق عليه الدكتور سعيد خمري، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بمراكش، الذي يشرح، في اتصال أجرته معه «المساء»، أن الديمقراطية لا تتجزأ، وهي، بالتالي، تفرض إيجاد آليات ضبط للعملية الانتخابية عند المستشارين الجماعيين والبرلمانيين، على حد سواء. وفسر خمري ذلك بقوله: «أعتقد أن مضمون المادة 5 من قانون الأحزاب يجب أن يطبق أيضا على المستشارين الجماعيين، علما بأن مدونة الانتخابات تشدد على أهمية احترام العقد السياسي بين المرشح والناخبين طيلة فترة الانتداب». واعترف خمري بأن الحكومة ملزمة بأن تفرض احترام بنود القانون على جميع الأحزاب، وأن تلزم المرشحين باحترام العملية السياسية والترشح تحت لواء الأحزاب التي نجحوا باسمها». وأكد كل من خمري والبكر أن من شأن فرض احترام القانون، بالرغم من التداعيات التي قد يتسبب فيها، المساعدة على تحسين العلاقة بين المواطنين والممارسة السياسية، وهي الصورة التي تشوبها الكثير من الشوائب.