علمتني الحياة أن فيها مجموعات بشرية عليك تحملها بكل صبر وجلد. هنالك هؤلاء المتعالون، الذين يمتنعون عن إلقاء التحية، وأولئك الذين لا يتورعون عن أن يحشروا أنوفهم حشرا في خصوصياتك بطريقة فجة، دون مراعاة لأسلوب تقديم النصح بروية. القبيلة الأولى قد لا تضايقك، الذين يضيعون أجر إلقاء التحية على أنفسهم، وهم بذلك لا يضرونك في شيء.. إنما القبيلة الثانية هي التي تثير الأعصاب فعلا.. وأفراد هذه القبيلة يمكن تقسيمهم إلى مجموعات محدودة: مجموعة القيء: تقوم هذه المجموعة بطرح آرائها في الحياة بشكل يتحول تدريجيا من الحديث عنك إلى الحديث عن ذاتهم الشخصية.. وهكذا بعد أن كنت تعاني من مشاكل خاصة، تصبح غارقا في مجموعة متنوعة من المشاكل التي لا تفهم لماذا تسمعها، وما علاقتها بقضيتك التي لم تطلب رأيهم فيها أصلا.. فائدة هذه المجموعة أنك مع مرور الوقت وارتفاع ضغط القيء الذي يمارسونه تنسى تماما كنه مشكلتك، وكيف انطلق الحديث؟ وكيف وصلتم إلى تلك النقطة المتقدمة التي بدؤوا يحدثونك فيها عن دمل في أصبع قدمهم الأصغر؟ مجموعة «هل معك منديل؟»: وهذه امتداد للمجموعة الأولى، بالإضافة إلى كون عضوها يكون عادة فتاة تربطك بها علاقة ما.. وفي النهاية تجدها قد أجهشت بالبكاء لسبب لا يعلمه إلا الله.. المشكلة مع هذه المجموعة أنها قد تتمخط على كتفك لو كانت علاقتكما من النوع الذي يسمح بأن تعانقها للمواساة. مجموعة «كان غيرك أشطر»: هذه المجموعة تؤكد بعنف وجنون أن لا تحاول! فمهما حاولت فمصيرك الفشل! يتلخص منهجهم في الحياة في أن يسببوا لك القرف في حياتك وأن يقنعوك أنك أفشل خلق الله.. وهم يصبغون كلامهم دوما بصيغة “أنا أريد مصلحتك فقط.. لا أريدك أن تصدم في النهاية”. مجموعة «لقد كنا شبابا مثلك»: يخبرونك أنهم عاشوا قبلك كل ما مررت به، وأنهم وصلوا إلى «الحقيقة» واكتشفوا سر الكون.. لذا حياتهم ممتازة، وهم الأفضل في كل شيء! مجموعة «يالك من حمار!»: هؤلاء هم علية القوم.. هم الكرزة فوق التورتة على رأي الإخوة الفرنسيين.. هؤلاء لا يضعون أي اعتبار لما قد تعنيه لك كلماتهم.. هم فقط يرونك مجرد حمار كبير لا يفقه في الدنيا شيئا، وأن عليهم واجبا قوميا يتلخص في أن يشرحوا لك مدى طول أذنيك: «اختيار سيء!».. «ذوقك بذيء يا أخي!».. «مستواك ضعيف في هذا المجال!».. «عليك أن تتمرن أكثر إن كنت تريد أن تجارينا».. إلخ إلخ إلخ!.. العباقرة موجودون في كل مكان.. في العمل.. في البيت.. في الشارع.. تحت السجاد.. عليك فقط أن تتعلم كيف تتجاهلهم!