مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    التهراوي يعطي الانطلاقة لمعرض جيتكس ديجي هيلث ويوقع على مذكرات تفاهم    جهة طنجة تطوان الحسيمة: إحداث أزيد من ألف مقاولة خلال شهر يناير الماضي    عودة التأزّم بين فرنسا والجزائر.. باريس تستدعي سفيرها وتقرّر طرد 12 دبلوماسيا جزائريا    ثغرة خطيرة في واتساب على ويندوز تستنفر مركز اليقظة وتحذيرات لتحديث التطبيق فورا    توتر غير مسبوق : فرنسا تتخذ قرارا صادما ضد الجزائر    المغرب يحصل على موافقة أمريكية لصفقة صواريخ "ستينغر" بقيمة 825 مليون دولار    أشبال الأطلس يتأهلون إلى نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب الكوت ديفوار    نسبة ملء السدود بلغت 49.44% وحقينتها ناهزت 6 ملايير و610 مليون متر مكعب من الموارد المائة    إحباط تهريب 17 طناً من مخدر الشيرا في عملية أمنية مشتركة    دي ميستورا يدعو المغرب لتوضيح تفاصيل صلاحيات الحكم الذاتي بالصحراء والأشهر الثلاثة المقبلة قد تكون حاسمة    توقيف شبكة تزوير وثائق تأشيرات وتنظيم الهجرة غير الشرعية    مولدوفا تنضم إلى إسبانيا في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية    رغم خسارة الإياب.. برشلونة يتألق أوروبيًا ويعزز ميزانيته بعد الإطاحة بدورتموند    السفير الكوميري يطمئن على الطاوسي    الطقس غدا الأربعاء.. أمطار وثلوج ورياح قوية مرتقبة في عدة مناطق بالمملكة    بركة يعترف بخسارة المغرب كمية ضخمة من المياه بسبب "أوحال السدود"    تشكيلة أشبال الأطلس ضد كوت ديفوار    دي ميستورا يؤكد الدعم الدولي لمغربية الصحراء ويكشف المستور: ارتباك جزائري واحتجاز صحراويين يرغبون في العودة إلى وطنهم    مصرع سائق سيارة إثر سقوطها في منحدر ببني حذيفة    الرباط: رئيس برلمان أمريكا الوسطى يجدد التأكيد على دعم الوحدة الترابية للمملكة    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    تحفيز النمو، تعزيز التعاون وتطوير الشراكات .. رهانات الفاعلين الاقتصاديين بجهة مراكش أسفي    حين يغيب الإصلاح ويختل التوازن: قراءة في مشهد التأزيم السياسي    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    دي ميستورا.. طيّ صفحة "الاستفتاء" نهائيا وعودة الواقعية إلى ملف الصحراء المغربية    الاتحاد الأوروبي يؤازر المغرب في تسعير العمل المنزلي للزوجة بعد الطلاق    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    توقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار التكنولوجي والبحث التطبيقي على هامش "جيتكس إفريقيا"    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    قصة الخطاب القرآني    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    فاس العاشقة المتمنّعة..!    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصحاب الإعاقة الحركية.. أمام ممارسات مجتمع «لا يعترف» بآدميتهم
وجهوا انتقاداتهم للسلطة المحلية التي لا توفر لهم أبسط الخدمات
نشر في المساء يوم 01 - 09 - 2009

يعاني الأشخاص ذوو الحركة من صعوبات جمة مع وسائل النقل العمومية، وهو ما يعتبرونه ظلما من المجتمع الذي لا يأخذ أوضاعهم بعين الاعتبار ولا يوليهم ما يستحقون من عناية ورعاية. سائقو الحافلات، كما أصحاب سيارات الأجرة، يتناسون أن ذووي الإعاقات الحركية يستحقون اهتماما خاصا تفرضه خصوصية الحالات التي يعيشونها على غرار ما يحظى به نظراؤهم في بلدان أخرى.
جل الأشخاص أصحاب الإعاقة الحركية محرومون من استعمال وسائل النقل العمومي حتى إشعار آخر، ويجدون أمامهم جملة من الصعوبات، تكبل حرية تنقلهم وتصادر حقهم في الاستفادة من خدمات هذا المرفق العمومي. وتبعا لذلك، يكونون مجبرين على تحمل الأضرار التي تلحقهم جراء عدم مراعاة الأماكن العامة والأرصفة الموجودة بالمدينة لإعاقتهم، وعدم ملاءمتها لكراسيهم المتحركة، مما يعرقل مجددا عملية تنقلهم، عبر الطرقات والشوارع والساحات، لعدم توفرها على ولوجيات تسهل عليهم عملية المرور، كل ذلك، لأسباب لها ارتباط وثيق بطبيعة نظرة الدولة والمجتمع إليهم.
العديد من أصحاب الكراسي المتحركة، في تصريحات متفرقة ل«المساء»، وجهوا نقدهم اللاذع إلى كل من السلطات المحلية والمجالس المنتخبة، وأشاروا إليها بأصابع الاتهام في ما يخص تقصيرها الواضح في إبداء نوع من الجدية إزاء المشاكل التي يعانون منها مع قطاع النقل، وعدم المبادرة إلى توفير أبسط الخدمات المتعلقة به، سيما في ما يتعلق بضرورة تزويد الحافلات بولوجيات سهلة، وأماكن خاصة بهذه الفئة، والتعامل بحزم وصرامة شديدين مع سائقي سيارات الأجرة الذين يرفضون نقل أصحاب الكراسي المتحركة، وقالوا إن استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا يشكل انتهاكا جسيما لحقوقهم، ويكرس منطق التمييز والتفرقة والعنصرية الممارس في حقهم.
مثل هذه الحالات قد يصادفها المرء في مناسبات عديدة، سواء أثناء تجوله في الشارع العام، أو حين جلوسه بمقهى مترامية كراسيها على حافة الطرقات، فالعديد من مستخدمي الكراسي المتحركة يعانون الأمرين مع أغلب سائقي الطاكسيات، الذين يمتنعون عن نقلهم لأتفه الأسباب، ويتهربون من مسؤولية خدمتهم. وفي الكثير من الأوقات، قد لا يجد أصحاب الإعاقة الحركية من خيار سوى الاعتماد على سواعد أيديهم، أو طلب مساعدة الآخرين للتنقل إلى الوجهة التي يريدون، حيث يضطرون إلى تحمل مرارة التنقل، في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها لا تراعي كرامتهم وإنسانيتهم.
في انتظار سيارة أجرة
بالقرب من محطة لحافلات النقل الحضري بشارع »محمد الخامس«، أكبر شوارع المدينة، كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف حينما حجز شاب في الثلاثينات من عمره، وهو جالس على كرسيه المتحرك، مكانا له على حافة الطريق، بدا وكأنه يسترجع أنفاسه، بعدما استطاع بشق الأنفس، تجاوز المحور الطرقي الذي يخترقه شارع «جون كيندي»، أخذ نفسا طويلا، ثم شرع في التلويح بيده، في اتجاه سيارات الأجرة الصغيرة المارة أمامه بالعشرات، لعل الحظ يسعفه في أن يظفر بواحدة منها تقله إلى الوجهة التي يريد.
كان اليوم حارا جدا، مرت أزيد من ساعة من الزمن، والشاب المقعد يترقب التفاتة سائق يشفق من حاله، سيما وأن العرق بدأ يتصبب بغزارة من وجهه وجسده من كل جانب، حاول جاهدا الاقتراب بكرسيه المتحرك من في أن تفعل به ما تشاء، فلم يجد بدا من الاستمرار في التلويح بكلتا يديه هذه المرة، بعدما أبدى إصرارا كبيرا على نيل مراده، لكن دون جدوى، رغم أن أغلب «الطاكسيات» التي مرت من أمام عينيه كلمح البصر، لم تكن تقل أي زبون، ليقرر بعدها تحريك كرسيه بيديه المنهكتين، وهو يهمهم همهمات غير مفهومة، شاقا طريقه، جنبا إلى جنب مع السيارات والدراجات النارية والحافلات، بعدما دب اليأس في نفسه من طول الانتظار.
«والله أخويا ما نكذب عليك، هاذي تقريبا شي عشر شهور ما ركبت فشي طاكسي، تاشي واحد متيبغي يحبس ليا، مالي ماشي بنادم»، يقول نور الدين، (30 سنة)، الذي أجبرته إصابته في العمود الفقري في حادثة سير خطيرة إلى ملازمة كرسيه المتحرك، بنبرة ممزوجة بالإحساس بالحكرة والدونية، مجسدا ل «المساء» معاناته مع وسائل النقل الحضري داخل المدينة، ومعاناة أمثاله من الأشخاص الذين لديهم إعاقة حركية، مضيفا «قليل فاش كيوقف لينا شي طاكسي، شتي لما كانش كيعرفك مزيان، ويحشم منك، والله لا وقف». ويحكي الشاب المقعد أنه ظل، ذات يوم، يلوح لسيارات الأجرة على طول شارع «المسيرة» إلى أن اكتشف أنه بلغ منزله من حيث لا يدري، دون أن يتمكن من الاستفادة من هذه الخدمة كغيره من المواطنين.
يصر سائقو الطاكسيات على أن هناك عوائق متعددة تحول دون تلبية رغبة هذه الفئة، وتتمثل بالخصوص في عدم توفر السيارة على مكان مناسب لوضع الكرسي المتحرك، سيما، يضيف أحدهم، بعد أن تم إجبار أصحاب سيارات الأجرة على إزالة حامل الأمتعة «بورط باكاج» الذي كان يوجد فوقها، إضافة إلى الحاجة المتكررة لطلب يد المساعدة من الآخرين لتمكين المعاق حركيا من الولوج إلى داخل الطاكسي، وكذلك الأمر عند وصوله إلى وجهته، والوضع يزداد حرجا، يضيف مصطفى، عندما يتعلق الأمر بفتاة مقعدة، ثم إن الجهل بطريقة التعامل مع الكرسي المتحرك، يضيف المتحدث، يثير ضجر السائقين وغضبهم، ويدفعهم إلى الرحيل سريعا عن المكان، دون تلبية خدمة هذه الفئة من الزبناء، هذا في الوقت الذي اعتبر فيه عدد من السائقين أن سيارات الأجرة غير صالحة البتة لتنقل مستعملي الكراسي المتحركة، وقالوا إن الوسيلة الأفضل لتنقلهم هي الحافلة.
لا مبالاة الحافلات
من المؤكد أن جميع حافلات النقل الحضري التي تجوب شوارع المدينة طولا وعرضا، تفتقر للشروط الدنيا التي تمكن أصحاب الإعاقة الحركية من استعمالها والولوج إلى داخلها بكيفية سليمة، وفي ظروف طبيعية، بعيدة عن كل ما من شأنه أن يلحق بهذه الفئة أضرارا ومتاعب هم في غنى عنها، فالصعود إلى الحافلة بالنسبة إلى أصحاب الكراسي المتحركة هو من المستحيلات، بسبب العلو المرتفع لبابها، الذي يبدو أنه مخصص فقط لأصحاب العضلات المفتولة، وحتى وإن قدر لمقعد أن يجاوزه، فإن المعاناة تستمر إلى داخل الحافلة، حيث لا تتوفر هذه الأخيرة على أماكن خاصة بهذه الفئة، ما يجبر أفرادها على التزاحم والتدافع مع الأسوياء، بغرض الظفر بمكان آمن يقيهم شر المصائب الجمة التي تحدث في داخل هذه «الطوبيسات».
«شوف أصاحبي، والله كون مكانوش هاذ وليدات الخير، اللي كانتصادف معاهوم هنا في المحطة، كون عمري ماغادي نركب الطوبيس، هما مساكن اللي كيهزوني بكرسيا للداخل»، بهذه العبارة كشف ياسين، (27 سنة)، طريقة استعماله لحافلات النقل الحضري، مضيفا أن هذا الأمر قد لا يناله في مناسبات عديدة، يحرم خلالها من الاستفادة من هذه الخدمة، لخلو محطة «الطوبيسات» من أي شخص قد يساعده على صعود الحافلة، مشيرا إلى أنه يضطر إلى الوقوف تحت الرصيف، مع ما يمكن أن يشكله ذلك من أخطار على سلامته، ليكون على أهبة الاستعداد، في حالة وجود «ولاد الخير»، لركوب الحافلة، الذي لا يكون سهلا، سيما في ظل عدم اكتراث جل الراكبين لوضعيته.
ويقول ياسين، الذي كان قد فقد رجليه في حادثة قطار، عندما كان في رحلة لتشجيع فريقه النادي القنطري، إنه بالرغم من المشاكل الجمة التي يلاقيها ذوو هذه الإعاقة مع الحافلات، نتيجة عدم احترامها للضوابط المنصوص عليها في القانون، الذي يلزمها بضرورة توفير ولوجيات سهلة تراعي خصوصيات هذه الفئة، فإنها تظل الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم للتنقل حيثما أرادوا، على حد تعبيره.
وهو ما أعرب عنه محمد خيي، رئيس جمعية تعنى بالجانب الرياضي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، سيما منهم أصحاب الكراسي المتحركة، بقوله «النقل والتنقل يشكلان هاجسا حقيقيا للأفراد الحاملين لمثل هذه الإعاقة، وهو ما يطرح أمام الجمعيات المهتمة بشؤونهم مشاكل بالجملة، وحواجز جمة تعيق تحركاتهم، وتعرقل مشاركتهم في العديد من الأنشطة»، ما يكرس، حسبه، استمرار إحساسهم بالدونية وسط المجتمع.
وكشف خيي أن مثل هذه المواقف عاشها في مناسبات عديدة مع أعضاء جمعيته، حينما كانوا يهمون بالمشاركة في نشاط خاص بأصحاب الإعاقة الحركية، حيث يمتنع أصحاب سيارات الأجرة عن نقلهم، بذرائع ومبررات مفتعلة وواهية، كأن يتمترسوا مثلا، يزيد موضحا، وراء عدم وجود مكان مخصص لوضع الكرسي المتحرك، أو ادعاؤهم بأنهم أنهوا عملهم، مشيرا إلى أن هذه المعاناة تتكرر أيضا مع حافلات النقل الحضري، التي يصعب على أصحاب الإعاقات الحركية استعمالها، من جهة، للعلو المرتفع لبابيها، والحاجة إلى مساعدة الآخرين لتجاوزهما، وافتقادها لأماكن خاصة بهم، ومن جهة أخرى لكون أغلب السائقين لا يحترمون المدة القانونية للوقوف بالمحطة.
وكشف الفاعل الجمعوي أن هذه الأوضاع، غير الطبيعية في نظره، حتمت عليهم مراسلة العديد من الجهات، بينها محسنون، قصد الحصول على حافلة خاصة بالجمعية، تكون رهن إشارة جميع منخرطيها تفاديا للإحراج الذي يصادفونه بشكل يومي.
كابوس السير والجولان
يفضل أغلب الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية، في حالة ما رغبوا في تغيير الأجواء، المكوث بالقرب من منازلهم، أو الذهاب إلى أقرب مقهى بالحي الذي يقطنونه، تفاديا للمشاكل الكبيرة التي تعترضهم أثناء محاولتهم التجول بالشارع العام، كغيرهم من المواطنين. فالأرصفة والشوارع والممرات الخاصة بالراجلين داخل المدينة، تفتقر كليا لأدنى المعايير والشروط الفنية الواجب احترامها عند إنشائها، والتي من شأنها أن تيسر تحركات أفراد هذه الفئة، وتسهل تنقلاتهم.
«والله هاذ المسؤولين ماتيفكرو فينا، شوف أصاحبي، واش هذا طروطوار ولا جبل، كيفاش معاق بحالي غادي يتجاوزو؟ خص يكونو عندك جنحين، عاد يسهل عليك الله تطلع للرصيف»، يقول عبد الله، (36 سنة)، بنبرة لا تخلو من سخرية، ويزيد متحسرا «أحوالنا للأسف تعرف تطورا هائلا فقط على الأوراق، أما على صعيد الواقع، فأشياء فظيعة تعترضها، يخجل الإنسان من ذكرها، ويكفي القول إن معظمنا لم يستطع ارتياد الشواطئ، خلال هذه العطلة الصيفية، لافتقارها لممرات خاصة بالكراسي المتحركة، ولمراحيض يقضي فيها المعاقون حاجتهم، بعيدا عن أعين المستجمين».
وأضاف المتحدث أن معظم الفضاءات والمرافق العمومية الموجودة بالمدينة تكرس منطق التهميش والإقصاء في حق مستخدمي الكراسي المتحركة، ولا تلبي حاجياتهم، سيما في ظل غياب التجهيزات والبنيات الضرورية، كإنشاء المنحدرات، وتوفير مراحيض خاصة بهذه الفئة، وتزويد الإدارات التي تتوفر على أكثر من طابقين بمصاعد، وزاد موضحا «تنحس بحال إيلا أنا طفيلي على المجتمع، غير مرغوب فيه، فأنا محروم من ولوج الإدارات العمومية والمباني الخدماتية والأسواق والمدارس، وحتى المساجد، لم يحترم تصميمها مصالح أصحاب الكراسي المتحركة، حيث لا تتوفر على الولوجيات اللازمة ولا على مراحيض تراعي إعاقتنا».
عرقلة مشروع الإدماج
يقول إدريس المعيطي، عضو الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، إن معظم الخدمات الاستهلاكية المتوفرة موجهة أصلا إلى عموم المواطنين، وتقصي فئة اجتماعية عريضة وهي فئة المعاقين، وكشف أن ذلك يتجسد بوضوح في طبيعة الخدمات المرتبطة بالنقل العمومي، التي تعتبر بالنسبة إلى الأشخاص المعاقين جسديا أداة أساسية لا محيد عنها للاندماج الاجتماعي، بيد أن وسائل النقل العمومي بالشكل الذي توجد عليه حاليا، يضيف المعيطي، لا تلائم ألبتة حاجيات الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية والأمراض المزمنة، على حد سواء، إذ تختلف هنا درجة الاستقلالية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يستطيعون ركوب الحافلة دون مساعدة الآخرين. وزاد موضحا «هناك شبه إجماع على أن هناك إقصاء تاما يصيب الأشخاص المقعدين في الكراسي المتحركة، والتي لا تسمح لهم ظروفهم بركوب الحافلة، مما يضطرهم إلى الاستعانة بأشخاص آخرين للظفر بسيارة أجرة، أو دفع الكرسي المتحرك لنقلهم».
أما في ما يتعلق بالخدمات المتمثلة في الأرصفة العمومية والمسالك، فأكد المعيطي، الحاصل على الإجازة في علم الاجتماع، أن البنية التحية في المغرب تتعمد إقصاء المعاقين من المجال العمومي، وقال «نادرا ما نجد في إدارة من الإدارات العمومية مسلكا خاصا بالمعاقين، وحتى إن وجد، فهو لا يستجيب للمعايير الهندسية المعمول بها عالميا، والكلام نفسه ينسحب على الأرصفة الخاصة، فهي غير موجودة مطلقا»، مشيرا إلى أن أصحاب الكراسي المتحركة يجدون صعوبة كبيرة في صعود الرصيف وفي ظل غياب تطبيق للقوانين المعمول بها هندسيا داخل المجال الحضري، يضيف المصدر، سيبقى مشكل المسالك والأرصفة مطروحا إلى أجل غير معلوم.
التمييز يعيق عملية الإدماج
أعرب عبد اللطيف مستغفر، الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن عميق أسفه لما آلت إليه أوضاع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، سيما منهم أصحاب الإعاقة الحركية، وقال إن الدولة المغربية ترتكب انتهاكات جسيمة في حقهم، تجعلهم يتعرضون بشكل يومي، بقصد أو بغير قصد، لأشكال متعددة من التمييز، مما يزيد، في نظره، من تعقيد عملية إدماجهم في المحيط الذي يعيشون فيه.
ودعا مستغفر الجهات المسؤولة إلى توفير الظروف الملائمة، والترسانة القانونية، التي تضمن لهذه الفئة المشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع، على قدم المساواة مع الآخرين، مشددا على ضرورة احترام المواثيق الدولية، التي تنص على حق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في التمتع بكافة الحقوق، والاستفادة من جميع الوسائل التي تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة، مع مراعاة احتياجاتهم عند التخطيط العمراني والاقتصادي والاجتماعي.
ينص قانون رقم 03-10 المتعلق بالولوجيات، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 19 يوينو 2003، في مادته الأولى، على أن البنايات والطرقات والفضاءات الخارجية ووسائل النقل المختلفة تعتبر سهلة الولوج، إذا أمكن للشخص المعاق دخولها والخروج منها والتحرك داخلها واستعمال مختلف مرافقها والاستفادة من جميع الخدمات المحدثة من أجلها وفق الشروط الوظيفية العادية ودون تعارض مع طبيعة الإعاقة.
كما نص القانون نفسه، في المادة 7، على أن البنايات تحاط بتصاميم تسهل ولوج ذوي الإعاقة الحركية المحدودة على مستوى المسارات الخارجية، بموازاة ممرات الراجلين المؤدية إلى هذه البنايات، كما أشارت المادة 10 إلى وجوب إحداث ممرات خاصة داخل البنايات المفتوحة للعموم، تستجيب لوضعية الأشخاص المعاقين من ذوي الحركية المحدودة لتمكينهم من الحركة بكل حرية وسهولة.
بينما تؤخذ بعين الاعتبار، وفق المادة 13، وضعية الأشخاص المعاقين، خاصة ذوي الكراسي المتحركة ومستعملي المعمدات، في مختلف المحطات، ولاسيما وضع صفوف للصعود مع حواجز للحماية، مع إلزامية توفير مقاعد خاصة بنسب متفاوتة داخل وسائل النقل الحضرية والرابطة بين المدن وكذلك بالنسبة إلى القطارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.