في مركب محمد الخامس.. في نهاية كأس العرب.. فجأة تحولت المنصة الشرفية إلى حلبة للملاكمة.. أبطالها هذه المرة من الوزن الثقيل.. ففي سوء فهم، في نقاش بسيط حول مقعد شاغر.. أراد نائب عمدة الدارالبيضاء أن يجلس عليه.. لكن المسؤول عن التنظيم داخل الوداد منعه من ذلك.. أخبره أن الكرسي مخصص لمراقب المباراة.. فكان الخلاف.. والتراشق بالكلمات، ووصل الأمر إلى حد ضرب نائب العمدة للمسؤول الودادي، وجه له لكمة أمام أنظار كل الشخصيات الكبيرة التي حضرت اللقاء.. أمام رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ورئيس الاتحاد الجزائري، وسفير تونس وأمام كل من حضر لمعاينة لقاء نهاية هام جدا... تحول بعدها بعض من الجماهير التي كانت قريبة من حلبة التباري إلى ترديد شعارات وتشجيعات لاتخص سوى الملاكمين،( واعطيه وازيدو.. كوش ضروات كوش ..) ذهب بعدها المسؤول عن التنظيم.. حميد حسني.. وهذا هو اسمه.. إلى أقرب مخفر للشرطة ليضع شكايته.. في حين تجمع حول جودار مجموعة متدخلين لتهدئة الأوضاع.. لقد ابتدأ اللقاء بأحداث شغب، وانتهى بخسارة وأحداث أخرى... كيف نطلب من جمهور كبير يعشق بإخلاص ، أن يبتعد عن أعمال الشغب.. نضع له شعارات وخطابات.. ونخصص له برامج خاصة في الإذاعة والتليفزيون.. ونداءات خاصة على صفحات الجرائد... هذا الجمهور الذي قد يضطر أحيانا للمبيت قرب الملعب.. وأحيانا يتسلل من مراقبة الجميع لينام فيه.. وقد يأتي من مناطق بعيدة في خريطة المغرب ليفرح مع فريقه بانجاز سعيد... وحين ينفعل.. ويعبر عن غضبه بالهتاف والصفير.. نبحث عن كل الوسائل التي نملك لنلجم لسانه.. ولن نلتمس له الأعذار... وقد تكون العقوبات أهون عليه من خسارة لقاء كبير... واليوم، يلجأ حتى المسؤول نفسه إلى إحداث الشغب.. ينقل إلى كل الجماهير صورا قاتمة لتنظيم رياضي لا زال للأسف الشديد يفتقد للعديد من القواعد السليمة.. كان لابد أن يتجاوز الجميع لحظات الغضب.. النرجسية التي تسكننا عادة جميعا، لنتفادى السقوط في فخ الخطأ المحسوب... كان لزاما أن يشكل كل واحد قدوة حسنة لمتفرج صغير جاء إلى الملعب ليتعلم بعض أبجديات التشجيع السليم.. نلهمه الحس الاحترافي في التعامل.. نتجاوز فورة الغضب.. ومن الانفعال أبدا لن نصنع مشاهدنا... قال الشاعر: لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم لقد قدم الطاسيلي وجودار للعالم العربي دون قصد رسما باهتا لصورة مغربية اسمها التنظيم الرياضي ... ولن نسأل هنا عن الفاعل والمفعول به... لقد انتقل الشغب من المدرجات ليعبر سريعا لمنصة المسؤولين.. شغب أصبح يطال كل الشرائح الرياضية.. فقبلها بعامين كان ملعب البشير، في لقاء بدون جمهور جمع بين الوداد والمغرب التطواني، مسرحا لأحداث شغب من النوع النادر .. شغب بين المنخرطين الذين حضروا ليرفعوا من حرارة مباراة باردة.. انتصرت الوداد يومها، وجاء القرار بعدها في حصرعدد المنخرطين في حضور الويكلو بخمسة أفراد من كل فريق ... قدمت من خلالها المغرب التطواني اعتراضا انتهى بتنازل بعد تدخل الكرتيلي لتحدث بعدها اتفاقية شراكة بين الوداد والمغرب التطواني.. ولم يسلم المدرب نفسه من إحداث بعض مظاهر الشغب ، ففي لقاء ذهاب بطولة هذا الموسم جمع الوداد بالجيش الملكي، تسبب الحكم العاشيري في تغيير مجرى اللقاء.. ثار بعدها الزاكي على غير العادة ودخل إلى الملعب غاضبا.. معاتبا.. يطالب بإنصافه... وحصل معها على نصيبه من العقوبات الزجرية... وانفعل اللاعب حليوات يوما، بصق على الحكم رمسيس وعاد ليقبل رأسه معتذرا.. والنتيجة توقيف مدى الحياة أنهاه رئيس الجامعة السابق حسني بنسليمان بعفو .. وعاد اللاعب لأولمبيك آسفي ، وفي الذاكرة آلام كثيرة... وكان للجمهور حظه الوافر في مظاهر شغب بمراكش، شغب لن يسقط سريعا من الذاكرة، حرم الكوكب من دفء جمهورها ودعاها لأن تلعب لدورات خارج ملعبها... الرياضة، أخلاق.. متعة يتحسسها الممارس والمسير والمتفرج.. ولا نريد أن نجد أنفسنا يوما نأتي إلى الملعب لنبحث عن متعة مفقودة.. متعة قد يذهب الشغب بسحرها...