في الفاتح من ماي 1995، وقف إبراهيم بوعرام (مغربي الأصل)، على جسر الكاروسيل القريب من متحف اللوفر متفرجا على حركية القوارب والبواخر السياحية العابرة لنهر السين. فجأة تحلقت من حوله عصابة من حليقي الرؤوس المنتمية إلى اليمين المتطرف لتمسك به قبل رميه من فوق الجسر إلى قاع النهر. لم ينجح إبراهيم في الطفو إلى السطح. كانت هذه العصابة قد غادرت موكب الجبهة الوطنية التي تحتفل كل فاتح ماي بعيد «جان دارك»، لتتسلل إلى الجسر قبل ارتكابها لجريمة لا يعتبرها منفذوها سوى مزحة مسلية! أسبوعا بعد الحادث، انتخب جاك شيراك رئيسا للجمهورية، فيما عرفت الجبهة الوطنية بقيادة جان ماري لوبان عز زخمها الإيديولوجي والتنظيمي. وعلى الرغم من الحكم على المتهم الرئيسي، ميكائيل فريميني، والذي لم يكن يتجاوز آنذاك 19 سنة، بثماني سنوات نافذة، لم تنكسر شوكة العنصرية والعنصريين في فرنسا. لكن الاحتجاجات والمظاهرات التي تلت الحادث، نجحت على الأقل في تحويل الفاتح من ماي، في برامج العديد من الجمعيات والأحزاب السياسية، إلى مناسبة رمزية للتنديد بكل أشكال الميز العنصري والمعاداة للأجانب. عام 2003، احتفى بيرتران دولانوييه، عمدة باريس، وباسم سكان العاصمة، بذاكرة إبراهيم بوعرام بوضعه لوحة تذكارية باسمه واسم كل ضحايا العنصرية. في يوم الجمعة الماضي، المقابل لفاتح ماي، حج إلى جسر الكاروسيل، الذي سمي رمزيا باسم «جسر ذاكرة كل ضحايا العنصرية ومعاداة الأجانب»، وبدعوة من «الجمعية المغاربية لعمال فرنسا» و«جمعية مناهضة العنصرية ومن أجل الصداقة»، ما يقرب من 400 شخص، فرنسيين وأجانب، تقدمتهم لافتة ضخمة كتب عليها: «من أجل عدالة مثالية ضد الجرائم والأعمال العنصرية. من أجل أن تبقى ذاكرة إبراهيم بوعرام وذاكرة كل ضحايا العنصرية حية». في هذه الاحتفائية، شجب عمدة باريس «ديماغوجية وشعبوية بعض المسؤولين السياسيين»، فيما ندد رئيس عصبة حقوق الإنسان جان-بيار ديبوا، ب«الممارسات البشعة التي لا تشرف فرنسا». لهذه الوقفة السنوية بالكاد رمزية سياسية، حقوقية وإنسانية قوية. لكنها وللأسف تبقى غير قادرة على تغيير مجرى المد العنصري في فرنسا والمرشح، مع قرب موعد الانتخابات الأوروبية المنعقدة ما بين 4 و7 يونيو القادم، لأن يتقوى عوده ضمن حملة المزايدات بين أحزاب اليمين واليمين المتطرف. من المنتظر إذن أن تحتدم المواجهة والمزايدة لتقديم حلول استئصالية في حق الأجانب والمهاجرين. وما تصريحات جان-ماري لوبان في موضوع «الأفضلية للفرنسيين» والإجراءات القسرية لإيريك بيسون، وزير الهجرة، إلا عربونا على عقلية المزايدة هذه. بالرغم من حملة التوعية التي أطلقتها مؤخرا ولاية باريس عبر الملصقات المنددة بالعنصرية، فإن إيديولوجية معاداة الأجانب التي تقتات منها أقوال وأفعال اليمين المتطرف بدأت تتسرب إلى ممارسات اليمين الكلاسيكي. فالميز العنصري والمعاداة للأجانب مشكل هيكلي تحتاج معالجته إلى قطيعة تامة مع المنطق الاستعبادي لفرنسا الكولونيالية. يوم اغتياله، خلف إبراهيم بوعرام، البالغ آنذاك التاسعة والعشرين من عمره، ابنا في سن التاسعة. في الفاتح من ماي الماضي، حضر سعيد بوعرام لأول مرة، حفل تكريم والده. بعد أن شكر الجمعيات والمنظمات المشرفة سنويا على هذا الحفل، ألقى مثل بقية الحضور باقة من أغصان زنبق الوادي Muguet، في نفس المكان الذي جرف فيه قاع نهر السين قبل 14 عاما والده.