الشاحنة ليست فضاء للكتابة ولا مجالا للتعبير، ولكن مع ذلك نجد بعضها حافلا بالنصوص المكتوبة على جداريتها، بالإضافة إلى الرموز والصور المعبرة والحكم والعبارات و السرعة كلها خسارة والحر تكفهيه إشارة. تختار الشاحنة الألوان الناصعة، وتسهر على التنسيق بينها، كما قد تستعمل أشكالا مزخرفة عبارة عن نتوءات حديدية من دوائر ومثلثات وغيرها، تزين الشاحنة وتنبه مستعمل الطريق. كما تستعمل الشاحنة صورا ورموزا مثل صورة الثور الهائج المستعد للعراك وصورة التنين الذي يقذف النار والحصان وفارسه المستعد للتبوريدة وفي النادر صورة طاووس أو حمامة.. أو تكتفي في بعض الأحيان برأس الحصان، أو رأس نسر أو أسد أو نمر، أو تستعمل صورا أكثر ارتباطا بالمخيال الجماعي كالكف الدافعة للأذى، أو العين التي ترد الحسد وحذوة أو صفيحة تركل عين الحسود... وقد تستعمل بعض الشاحنات بالإضافة إلى ذلك لوحات جميلة تجسد مناظر طبيعية خلابة من واحات للنخيل وشواطئ ممتدة وجبال عالية وأنهار جارية وطيور مغردة على الأشجار، وكثبان صحاري وغزلان، مما يجعل الحافلة تنتقل من الدلالة على تحقيق منافع مباشرة كالنقل والتجارة، إلى كائنات جميلة تؤثث الطريق العام لتعبر عن رؤى وهموم وأحلام هذا الصنف من مستعملي الطريق، حيث يتحول صاحب الشاحنة أو سائقها إلى فنان حقيقي.. إنها طريقة خاصة للتعبير عن الهموم، تحمل ثقافة ورؤية جمالية خاصة، لتأكيد الحضور على الطريق وإظهار تميز وتفرد كل شاحنة. مما قد يدفع وزارة النقل إلى التفكير يوما ما في تنظيم مهرجان أو مسابقة أجمل شاحنة على الطريق العام لتشجيع الثقافة أو عقد شراكة مع وزارة التربية الوطنية للاهتمام بالتربية الفنية على الطريق.. الكتابة على جدارية الشاحنات رغم كون الكثير من الحافلات غفلا من الكتابة فإن النصوص المكتوبة في خلفية الشاحنات تثير الكثير من الملاحظات، أولها أنها تستثمر فضاء عموميا للقراءة ..وثانيا أنها تدل على طبيعة ثقافة بعض من مستعملي الطريق.. فقد يوظف السائق ما علق في ذهنه من أيام المدرسة وما سمعه أو ما استخلصه من تجربته في الحياة أو في تجربة السياقة.. قد يستعمل عبارات مهذبة أو عبارات مستفزة للآخرين، وقد يكتفي بملصقات تفي بالغرض، وهو في كل ذلك يعبر عن معنى خاص به وعن تصوره ورؤيته الخاصة للعلاقة التي تجمعه بالآخرين من مستعملي الطريق وخوتو في الحرفة أو يعبر عن ثقافة مشتركة ومصير واحد يجمعه مع غيره من ناقلي الشاحنات.. مضامين الكتابة من المضامين الأساسية لهذا النوع من الكتابة طلب الحفظ والدعاء بالسلامة من أخطار الطريق، وترديد بعض العبارات المهدنة للسلوك، طلبا للسلامة والنجاة وفتحا لباب الرزق.. طلب الحفظ والستر نظرا للأخطار الكثيرة المحيطة بالسائق والشاحنة تكثر النصوص التي تطلب السلامة والحفظ والستر، فالشاحنة تسير على كيلوغرامات من البرد، والخطر قد ينبعث في أيه لحظة خاصة في النقط السوداء، لذلك يحتاج السائق إلى طمأنة نفسه أولا وإلى طمأنة الآخرين في نوع من المشاركة الوجدانية.. السلامة للجميع على جناح السلامة رافقتكم السلامة يا حفيظ يا معين ... طريق الأمان الحكم وتجارب الحياة يحتاج السائق والمستعمل الدائم للطريق إلى كثير من الحكمة التي تمنعه من أي تهور خاصة اجتناب السرعة التي تستهوي بعض السائقين : السرعة كلها خسارة والحر تكفيه إشارة العجلة من الشيطان.. فالزمان خير معلم للإنسان فهو المعلم الذي يقنع ويفحم ويعلم الصبر، لأنه يجعل الإنسان يجرب بنفسه ما كان فقط قد سمع عنه:الدنيا مدرسة والزمان معلم .. إذن يحتاج السائق إلى الكثير من الصبر لذلك تدعو الكتابة إلى الصبر لأنه وسيلة النجاة: الحياة كالبحر الهادر إن أردت العيش اركب سفينة الصبر كما تدعو إلى حب الخير للنفس والآخرين : إن تحب الخير ترى منافع كثيرة.. الخوف من العين والحسد: العين والحسد حاضران بقوة في هذه الكتابات لانتشار وحضور ثقافة الحسد والعين داخل المجتمع، فشعور الفرد بأنه محسود راجع إلى ارتفاع درجة العدوانية وعدم التسامح والنميمة، ومستعمل الطريق وخاصة صاحب الشاحنة، يحس بذلك أكثر من غيره لتعدد أخطار الطريق وللمنافسة الشديدة في مجال النقل والتجارة.. لذلك نجد استعمال العبارات التي تدعو إلى تجنب الحسد والفضول وفي نفس الوقت تعبر عن الخوف من الحسد والعين: شوف واسكت ديها في راسك.. شوف وسكت أنا خوك ماشي عدوك... عين الحسود لا تسود عين الحسود فيها عمود - ديها في راسك عاندني وما تحسدنيش اللهم عضة الأسد ولا نظرة الحسد دور البنو وزير الكرو يموت العدو عن أسلوب الكتابة يوظف هذا النوع من الكتابة عددا من الأشكال التعبيرية منها :العبارات الدينية: ليس أكثر تطمينا للسائق من التوكل على الخالق والإيمان بالعناية الإلهية ويظهر ذلك من خلال استعمال عبارات مثل : بسم الله طريقي والرحمن رفيقي توكلت على الله.. ويظهر أن السائق يبحث عن الاطمئنان، وما يضمن له رزقه وسلامته : يا فتاح يا رزاق ويحفظه من أخطار الطريق يا حفيظ يا ستار، كما يحتاج إلى كثير من الحكمة والصبر واستحضار ذلك على الطريق وفي لحظات الخطر.. الأغنية الشعبية: يعبر من خلالها السائق عن حال الجولة والغربة والهجرة المستمرة التي يعانيها بعيدا عن أهله فنجد إحدى الشاحنات قد نسخت على جداريتها أغنية الفنان الشعبي عبد العزيز الستاتي بكاملها لكونها تتغنى بالغربة وتعبر عن المعاناة وواقع الحال : انا ميمتي غريب ما عندي دلال، أنا ميمتي غريب عايش جوال وأخرى وظفت مقطعا قصيرا من أغنية الفنان عبد الوهاب الدكالي يحكي المعاناة مع الغربة : أنا والغربة ومكتابي.. التراث الشعري: يستعمل هذا النوع من الكتابة بعض الأشعار التي تدعو إلى التخلق بالأخلاق الحسنة والابتعاد عن الغرور: كن ابن من شئت واكتسب أدبا .. يغنيك محموده عن النسب.. المثل السائر: يخاطب من خلاله الآخرين ليهتموا بشؤونهم الخاصة: القافلة تسير والكلاب تنبح، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت.. تعبر هذه الجداريات عن رؤية خاصة بالنسبة لأصحاب وسائقي هذه الشاحنات وعن طبيعة عملهم الذي يغلب عليه عدم اليقين والإحساس بعدم الاستقرار والشعور المستمر بأخطار الطريق.. ومع ذلك فتلك التعبيرات لا تخلو من جمالية وميولات فنية حقيقية ومن التعبير عن ثقافة بعض من مستعملي الطريق،ظاهرة فنية وثقافية وأدبية تحتاج إلى قراءات أخرى ربما..