1 - يمكن القول بأن صدور رواية «القسم 14» من منطلق كونها الأثر الثاني في المسار الإبداعي الروائي للفلسطيني يحيى عباد، جاء ليؤكد كفاءة الروائي واقتداره من ناحية، ومن أخرى توسيع دائرة المعنى الذي عمل ويعمل الروائي على الاشتغال عليه في جرأة وبالارتهان لتجريب إبداعي يوازي بين وظيفتين: وظيفة الروائي المتمثلة في التأسيس لعالم روائي خيالي، والباحث الاجتماعي الذي يروم التوثيق لظاهرة لها جذورها وامتداداتها والواقع أن التوازي يجسد تكاملا وتماسكا في التصور كما النظر إلى الواقع. 2 - تفرض رواية «القسم 14» على قارئها مداخل هي اشتراطات ومحاذير تقتضي الاحتراز قبل الانخراط في التأسيس لفعل القراءة، بحكم كون المنجز تحقق بالانبناء على صيغة تحكم فيها ذكاء الروائي في البناء وعلى الإنجاز. والأصل أن تمثل هذه المداخل يمثل في العمق قاعدة الدخول في حوار ومنجز الرواية، إلى التمحيص الدقيق لنوعيات التلقي الذي أسست له هذه الرواية بالضبط، والمتجسد في: أ- النزوع إلى المقارنة: وهنا يحضر استدعاء النصين الأول والثاني. إلا أن ما يفرض مراعاته، كون سياقات إنتاج المعنى، سواء في الرواية الأولى أو الثانية، يختلف، ولئن كان المؤلف واحدا، إلى كون الهم الوجداني كمادة واحدا، إلا أن الصيغة خاصة في «القسم14» تمتلك فراداتها. ب- إن ما تتأسس عليه الكتابة الروائية في «رام الله الشقراء» و«القسم 14»، تحديد الفرق بين الفضاء بما هو المدينة المفتوحة على تنوع الاهتمامات، الشخصيات، اللغات، الأوعاء والمكان كحيز مغلق يعكسه المعسكر المتحكم فيه. هذا المستوى من الوعي يقتضي استحضاره حال الفهم والتأويل. ت- لقد جاءت مختلف التلقيات سريعة في استصدار الأحكام، إلى كونها صحافية في توجهاتها، وهو ما لم يفسح لقراءة النص قراءة بناءة وناضجة. 3 - على أن المداخل التي تفرض توجيه القراءة، هي في الحقيقة بيانات نصية ساهم في إثباتها الروائي قبل عملية الدخول في تلقي الرواية، وهو ما استدعى اعتبارها اشتراطات ومحاذير على القارئ الانتباه إليها، خاصة أن كل إثبات من المؤلف يعد جزءا من بناء وتشكل المعنى داخل النص: 1 - مدخل العتبات: أ الإشارة النصية إلى:»بنتاليون بانتوخا» ووردت كالتالي: «إنني بحاجة إلى من يوجهون لي الأوامر فمن دونهم لا أدري ماذا علي أن أفعل، وينهار العالم من حولي». إن من يقرأ العتبة التي كما سبق أن ذكرت هي إشارة نصية، يتساءل عمن يكون «بناليون بانتوخا».والواقع أن التساؤل مشروع بحكم غفل الروائي القصدي عن دقة التحديد المرجعي. والأصل أن قصدية الغفل تندرج في ذكاء الكتابة الموازي لذكاء التلقي. فالروائي يحيى عباد اختار الإشارة بعيدا عن التحديد. وكأن المضمر اختبار كفاءة التلقي في/ وعلى الإدراك. إنه بهذا التصور، يقصي مبدأ التوجيه، إذ لو حدث وثبت الإشارة النصية كاملة، لاستدعى قاعدة المقارنة بين كتابة رواية عالمية، وثانية عربية. لكن ذكاء التلقي يفرض ذاته، خاصة لما يتحقق تداول ومتابعة منجز الرواية. ذلك أن «القسم 14» تنكتب كرواية تتفرد بمعناها انطلاقا من رواية ماريو بارغاس يوسا: «بنتاليون والزائرات». ثم تتماهى شخصية «بنتاليون» والعقيد. وهو التماهي الذي يخدم معنى الحكاية المتمثل في إقامة معسكر للترفيه يوظف لخدمة العساكر. وبذلك يتم استجلاء المعنى فيما يمكن عده الأصل واللاحق عليه. ب دلالة الإهداء: يرد في عتبة الإهداء التالي: «إلى أسباب أربع ساعات في المطار إياه». لقد درج التعامل المتعلق بالإهداء إلى أن يشمل اسما اعتباريا له علاقة وثيقة بالمؤلف. إلا أن الإهداء المثبت بداية رواية «القسم 14» يحيل على المعنى المنتج في الحكاية. إذ لا تكاد تفهم قصديته، إلا انطلاقا من نهاية النص الموسومة ب»أول الأمر». هذه النهاية التي تعد البداية المفتاح لفهم حكاية الرواية وسر الإهداء. فالساعات الأربعة تجسد «ساعات «ترانزيت» في أي مطار في الشرق الأوسط». إنها الساعات التي أمضاها السارد مترقبا وصول العقيد المتوجه إلى أثينا، ليمده بمخطوطة هي في الجوهر رواية «القسم 14»: « هذه لك، فيها المكتوب بخط اليد والمصفوف على الحاسوب وفيها مزيج من العامية والفصحى، وأتمنى أن لا تعيق فهمك للملاحظات، هي ملاحظات شخصية دونتها لأعود إليها»(ص:157). «ما ورد في الصفحات الماضية هو ما قاله لي في الساعات تلك، وبتصرف مني في ضوء الأسئلة العديدة وما يرد تحت «هامش»، والهوامش حررت بأقل قدر من التعديل، وباستبدال الفصحى بالعامية، وتجنب اللبس الذي يعتري الكثير من تلك الملاحظات التي دونها العقيد لحاجاته الشخصية» (ص:160). تأسيسا على السابق، فرواية «القسم 14» مخطوطة أنجز تدوين أحداثها «العقيد». إنها سيرته / شهادته داخل معسكر الترفيه عقب إنشاء القسم. ف»العقيد» بمثابة المؤلف الأول، فيما السارد المنظم لبنية النص وانسجامه وتماسكه هو المؤلف الثاني. وكأن الأمر يتعلق بمادة وهذه تحتاج صيغة حتى تغدو مقروءة، أقول تحتاج إلى ذكاء روائي شغلته شخصية يحيى عباد. 2 - مدخل بنية النص: تتشكل بنية رواية «القسم 14» من متن وهامش. يمثل المتن الحكاية المرقمة من:1 إلى:15 وهي حكاية فكرة إنشاء القسم و تولية «العقيد» مهمة إدارته وفي تعليمات دقيقة اختيرت منها عتبات ممهدة لتناسل وامتداد الفصول. أما الهوامش فتنبثق عند الضرورة في آخر الفصول بهدف الشرح والتوضيح، وكأن ما لا يحتمله الوصفي كحكاية، يؤكد في الهامش. على أن المتن والهامش يختزلان تحديد النص في «شهادة العقيد وهوامشه»، وهي الشهادة التي نصص في هامش توضيحي على: «الشهادة طورت لتناسب السرد وانتظامه، والهوامش فصحت وحذف منها ما يسبب الارتباك وعدم الفهم، لاتصاله بأجزاء غير متوافرة منها»(ص:9). إن ما يمكن استخلاصه من هذا السوق: 1 - كون الرواية بنيت بإحكام ووعي روائي جد رصين. 2 - إن حكاية الرواية تقتضي تمثل المعنى الوارد في «بنتاليون والزائرات»، رواية ماريو بارغاس يوسا. 3 - إن رواية «القسم 14» توظف تقنية «المخطوطة»، وتلبس الروائي صورة الحياد، فيما الأصل كونه المؤلف الجامع والكلي للرواية. 4 - إن»القسم 14» هي رواية الروايات: الرواية التي انتهت إلى التلقي الذي نحن بصدده. والرواية الغائبة التي تستلزم فك ترميزاتها، والرواية المخطوطة التي اقتضت التعديل، التصويب الشرح والتعليق. أعتقد بأن اشتراطات ومحاذير الكتابة الروائية يجدر أخذها بعين الاعتبار، وهو ما تغييناه في هذه المداخل التي تفرض تحليلها بموضوعية نقدية رصينة.