سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فوزي الصقلي: التصوف يدخل في إطار السيادة الثقافية للمغرب مدير مهرجان الثقافة الصوفية للمساء : إن اهتمام المغرب بالتصوف سيمكنه من استرجاع أمجاده وعلاقاته الديبلوماسية التاريخية
عاشت فاس على إيقاع الدورة الثالثة لمهرجان الثقافة الصوفية في الفترة ما بين 18 و25 أبريل الجاري. وتميزت هذه الدورة بحضور وفود من دول إفريقية عدة، كان المغرب على علاقة تاريخية بها عبر مدخل التصوف. فوزي الصقلي يقول إن من أهداف هذا المهرجان الذي يديره المساهمة في إعادة إحياء هذه الروابط، معتبرا أن التصوف مكون من مكونات الهوية المغربية، رمز من رموز السيادة الثقافية، ومن شأن توظيفه في إطار الديبلوماسية الثقافية أن يخدم إشعاع المغرب وصورته. - عاشت فاس، قبل أيام, على إيقاع دورة أخرى لمهرجان التصوف. هناك من يعتبر أن هذه المهرجانات التي تهتم بالجانب الروحي أصبحت «موضة» في المغرب؟ < لا أعرف بالضبط أي مهرجان تقصدون بهذا الوصف. هل هو مهرجان الموسيقى الروحية أم غيره من المهرجانات. ولكن ما أراه تغير في مسألة هذه المهرجانات هو أساليب التقديم فقط. فقد كانت المواسم في السابق، كما كانت غيرها من الأشكال الاحتفالية في الثقافة التقليدية الشعبية أو في الثقافة النخبوية. الآن، المهرجانات تعد بشكل احترافي يكون رصينا وبتصور واضح ومصحوب بتواصل يبين المقاصد من هذه المهرجانات. والغرض هو تقديم ثقافة موجودة تعبر عن تراث كبير. هناك التراث الشعري الهائل في التصوف وهناك الجانب الاجتماعي، وهي مصادر استلهام تمكن الإنسان من تجسيد هذه الثقافة في الوقت الحاضر. والمشروع يمكن أن يكون جديا أو قد لا يكون. هذا يتعلق بأهدافه. لكن أن يتم إعطاء الطابع الفولكلوري والترفيهي والاحتفالي لهذا التراث، سنكون قد ضيعنا حق هذا التراث الكبير وضعينا حتى وقتنا. وهنا سندخل في إطار الموضة من أجل الموضة. هناك الآن اهتمام كبير في العالم بالإنتاجات الصوفية، الأدبية والشعرية. فجلال الدين الرومي يترجم إلى جميع اللغات. وابن عربي يحضر بأكثر من 400 مخطوط في جامعة كمبريدج، والتي تم ترقيمها للمحافظة عليها من الضياع. ونحن نعيد إحياء هذا التراث من جديد. وهذا شيء ليس بالأمر السهل. - أنت تتحدث عن إحياء هذا التراث والاعتناء به، لكن بعض الإسلاميين يقولون إن هذه الموجة ترمي إلى الحد من تقدمهم؟ < هذا كلام ظرفي، لأن التصوف بالمغرب وتاريخه أبعد وأعمق من ذلك بكثير. الاهتمام بالتصوف لم يكن ينتظر هذه الظرفية ليظهر إلى حيز الوجود. لنتصور علي بن حرزين ولسان الدين بن الخطيب وابن طفيل وابن عربي وابن خلدون والذين أثروا في التراكم الفكري العميق. هذا الموضوع قديم قبل أن تظهر فيه هذه التيارات. نحن نقول إن أي بلد عليه أن يحتفظ بتاريخه وتراكمه الحضاري وهويته. وهذا ما نسميه بالتجديد الفكري. هذه ذخيرة من الماضي يجب أن نستثمرها عوض أن نتركها مركونة في زاوية التاريخ. والتصوف فيه تنوع كبير، في العالم الإسلامي. وهو، علاوة على ذلك عميق في الثقافة الإسلامية ولا نحتاج إلى ابتكاره لمحاربة تيار معين. وحتى المواقف الرسمية لم تنتظر ظهور هذه التيارات لتدعم التصوف. فعبد الواحد بن عشير كان يقول إن هناك ثلاثة أعمدة يرتكز عليها الإسلام في المغرب، وهي الفقه المالكي وعقيدة الأشعري وطريقة جهيد السالك. هذا في القرن 17 الميلادي. وفي تأسيس المجلس الأعلى العلمي تحدث جلالة الملك عن ثلاثة أعمدة تكون الهوية الإسلامية للمغرب. وهذا ما يعرف بالسيادة الثقافية. وكل الدول تقوم بمجهودات كبيرة للحفاظ على هذه السيادة الثقافية. لننظر مثلا إلى فرنسا وما تقوم به من مجهودات للدفاع عن الفرانكفونية. - أنت تتحدث عن أن الاهتمام بالتصوف هو رد الاعتبار لجانب من الهوية الثقافية للمغرب، وعلى أنه يدخل ضمن ما تسميه بالسيادة الثقافية للمغرب، لكن ما هي القيمة المضافة لهذا الاهتمام في بناء المغرب؟ < دعني أعطيك مثالا. ففي إطار برنامج هذه الدورة من مهرجان الثقافة الصوفية، أحيينا أمسية لأفارقة، الأول من ساحل العاج والثانية من مالي والثالثة من النيجر. هؤلاء قدموا الثقافة الروحية والصوفية في إفريقيا، تكلموا عن المكتبات التي أحدثت وعن العلماء الذين تلقوا تكوينهم في المغرب وعن الاتصالات التاريخية الموجودة ما بين الزاوية التيجانية وعمر الفوتي ومملكة صوبو. الناس لا يعرفون أي شيء عن هذا التاريخ، وعن العلاقة الوطيدة الموجودة بين المغرب وبين هذه الدول كلها من خلال هذه الثقافة الصوفية. فهل سنتخلى عن كل هذا الإرث ونهتم فقط بالجانب الغربي؟ هذا هو امتداد العلاقات بين الدول، وهذا هو ما نسميه بالعلاقات الديبلوماسية الثقافية. هذا كله قيمة مضافة. هل نتصور وجود مجتمع سينغالي بدون تصوف؟ جلهم تقريبا ينتمون إما إلى الزاوية التيجانية أو الزاوية القادرية. ومن خلال هذه الثقافة الصوفية، فإن المغرب يحاول أن يسترجع جذور هذه العلاقات العريقة والتي من خلالها يسترجع المغرب إشعاع حضارته. وإذا لم يكن لدينا هذا المفتاح للنفاذ إلى هذه العلاقات سنفقد الشيء الكثير. والدليل على ما أقول هو الكم الهائل في المشاركة سواء من النيجر أو من موريتانيا أو من السينغال أو من مالي وغيرها. - بهذا المعنى، فإنك ترى أن التصوف هو أحد الرهانات الاستراتيجية في السياسة الخارجية للمغرب، لكن يبدو أن الجزائر تنافس المغرب على نفس الخط وعلى نفس الرهانات؟ < هذه مسألة طبيعية. من يفهم عمق هذه الأشياء سيهتم بها. فرنسا بلد صغير في أوربا، لكن بفضل ديبلوماسيته الثقافية، فإن له حضورا قويا على الصعيد العالمي. هذا الجانب أساسي وليس هامشيا. ولا بد من التنافس، والمغرب لديه أوراق قوية في هذا الجانب وعليه أن يستغلها. والاستغلال الذي أتحدث عنه ليس هو التوظيف بالشكل المبسط للتوظيف. هذه مسألة تهم المثقفين والمؤرخين. يجب أن نحيي هذه القيم لكن هذا الإحياء لا يعني أبدا الانغلاق. يجب أن نؤسس لعلاقة ناضجة مع هذا التراث، علاقة حرة معه، حيث يمكن تقييمه وتوجيهه واستغلاله بشكل آخر. والمهم في المغرب أن لديه انفتاحا في المجتمع المدني، وهو الشيء المنعدم في البلدان الأخرى، حيث مسؤولو الدولة هم فقط من يلعب هذه الأوراق، أما في المغرب فالمجتمع المدني هو الذي يتحرك، كما هو الشأن بالنسبة لمهرجان الثقافة الصوفية. فالتوظيف الضيق لا يعطي دائما نتائج إيجابية، في حين أن تحرك المثقفين والمجتمع المدني يعطي الثمار المرجوة. وإلى جانب ذلك، فإن الأمر يستدعي الاحتراف، ونحن قد عمدنا إلى تأسيس وكالة للهندسة الثقافية. - في إطار نفس الرهانات الاستراتيجية، هناك حديث عن مهرجان للتصوف بالصحراء؟ < صراحة لا علم لي بهذا المشروع من الناحية الرسمية، ولكن بعض الأصدقاء تبادلت معهم بعض الأفكار حول المشروع، وأنا أحبذ ذلك بشكل كبير، لأن من يطلع على تاريخ المغرب، سيعرف أهمية الزوايا والتصوف في تكوين الهوية المغربية وفي ترسيخ الرابطة الموجودة بين الشعب والمؤسسات. ومسألة الوحدة الترابية ليست فقط مسألة جغرافية، وإنما هي مسألة روحية وثقافية ودينية ورمزية. وهذا المستوى يعتبر كذلك من المستويات الأعمق في الانتماء، والتصوف هو الذي يخلق هذه الرابطة. والمتصوفة يراعون دائما هاجس المشروعية. وهذا مبدأ ديني يتعلق بأولي الأمر، تفاديا لوقوع الفتنة، كما يدخل في إطار حب الوطن، والذي هو من الإيمان. - أنت تدافع عن التصوف، لكن بعض المنتقدين يقولون إن بعض الزوايا رحبت بالمستعمر إبان فترة الحماية؟ < لا، هذا غير صحيح، ونحن نحتاج إلى إعادة قراءة تاريخ هذه الزوايا في هذا الجانب، وذلك حتى نضع النقط على الحروف. فالناس الذين قاوموا إلى آخر نفس هم دائما من الزوايا. ففي الجزائر هناك الأمير عبد القادر، وفي المغرب هناك الشيخ ماء العينين، وسيدي بوعزة، وسيدي نصار بودشيش. هؤلاء هم آخر من وضع السلاح عندما حسم الأمر. وبعد ذلك فهم الفرنسيون أن المجتمع كله مكون من هذه الوحدات الطرقية، فحاول أن يدخل من بعض الأبواب لاستغلال هذه القوة. وهذه مسألة بشرية، ونحن لا نقول إن كل المتصوفة يتصغون بالكمال، الناس مستويات وهناك بعض الطرق وبعض المقدمين الذين تم إغراؤهم وهؤلاء يمثلون الاستثناء. والقاعدة هي التوجيه والجهاد وأساس مهرجان الثقافة الصوفية يحظى برعاية الملك - قبل أن تؤسس مهرجان الثقافة الصوفية، كنت من مؤسسي مهرجان الثقافة الروحية. المتتبعون يتحدثون عن خلافات. ماذا وقع بالضبط؟ < ما وقع هو أنني أقوم بكل هذا في إطار فكري متحرك. ودائما كنت أريد أن يكون هناك مهرجان للموسيقى العريقة. ولكن بدؤوا بعد ذلك يتحدثون عن حوار الحضارات. وقد أسسنا هذا المشروع رفقة عدد من الناس، ضمنهم محمد القباج وتوليت إدارته لمدة 12 سنة. وقد شعرت بأن مهرجان الموسيقى الروحية يجب أن يستمر، لأنه أصبح من المعالم الثقافية لفاس والمغرب، وشعرت في نفس الوقت بأنه علي أن أنتقل إلى الثقافة الصوفية بشكل أعمق. وهذه كلها اهتمامات متكاملة. - البعض كذلك يتحدث عن إهمال السلطات لمهرجان الثقافة الصوفية، مقابل اهتمام كبير بمهرجان الموسيقى الروحية؟ < صراحة، أنا لا أشعر بهذا الإهمال. أنا أشعر بافتخار كبير لأن صاحب الجلالة أعطانا الرعاية الشرفية منذ البداية، وهذا أكبر اهتمام يمكننا أن نحظى به. مع ذلك، ففي الافتتاح يحضر دوما الوالي والعمدة. وهذه السنة، فالمجلس الجماعي هو الممول الأكبر لهذا المشروع. وهذا مهم لكي نضمن الاستمرارية عوض الرهان على القطاع الخاص، وهو رهان دائما غير مضمون. وفي ظرف ثلاث سنوات، أخذ هذا المهرجان إشعاعا دوليا كبيرا.