أحمد الحضاري لفظت امرأة حامل أنفاسها الأخيرة، صباح أول أمس السبت، داخل قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي لأسفي، الذي ما فتئ يعتبره كثير من المتتبعين للوضع الصحي بالإقليم «مقبرة للنساء الحوامل»، مطلقين عليه اسم «مثلث برمودا». نجاة جاغاني توفيت رفقة جنينها، في الرابعة صباحا على أسرة المستشفى المليئة بالأوساخ والعفن وبقايا دم النفاس وقيء الحوامل. وتبلغ الضحية من العمر 42 سنة، وهي أم لثلاثة أطفال نقلتها أسرتها من حي سيدي عبد الكريم شمال المدينة على الساعة الثانية من ليلة السبت إلى المستشفى ذاته. تحكي عائلة الضحية أن أختها، التي قدمت معها تلك الليلة، كانت تنتظر بقاعة أخرى بشرى مولود جديد يملأ البيت سرورا، فأخذتها غفوة بسبب التعب، وفي الرابعة صباحا جاءت بعض الممرضات ليوقظنها ويخبرنها بأن نجاة توفيت «قضاء وقدرا». ليست هذه المرة الأولى التي تموت فيها الحوامل بأسرّة قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي بأسفي، الذي يستقبل كل 24 ساعة حوالي 30 حاملا من الجهة بكاملها، يتناوبن على أربعة أسرة، وتتكفل بهن ثلاث مولدات فقط. ففي سنة واحدة، توفيت 12 امرأة حامل، حسب تقارير، منهن الحديثة الزواج كالشابة زكية منصف (لم يتجاوز عمرها 24 سنة) التي استغرب وزير الصحة، الحسين الوردي، وفاتها، وفاطمة كنزاز، التي توفيت في ظروف غامضة بالمستشفى في مارس 2010، وهي الأم لعدة أبناء، ولا تزال قضيتها تثار داخل ردهات المحاكم، بعدما أعطى وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، تعليمات بتحريك المتابعة القضائية، حيث تتابع طبيبة بقسم الولادة وعاملون بمركز تحاقن الد م وممرضون. كل التهم تشير إلى الإهمال الصحي في المستشفى ذاته، الذي شيد سنة 1954 وعرف في السنوات الأخيرة بتخوف الأطباء من العمل به، ولذلك تكررت استقالاتهم في السنوات الأربع الأخيرة، حتى تناوب على المسؤولية 8 مدراء، آخرهم عين قبل شهر فقط. المستشفى الذي تكررت فيه الوفيات، خاصة وسط النساء الحوامل، وتفتقد فيه وسائل وأدوات العمليات الجراحية (الكسور)، كما تتكرر فيه الوقفات الاحتجاجية للسكان والجمعيات الحقوقية والأطر الصحية أيضا، للتنديد ببؤس الواقع الصحي، وتدني الخدمات المقدمة للسكان، ونقص الأطر، وتعطل الأجهزة، مما يخلق الاحتقان، وتفشي الرشوة داخل أقسامه، هو ذاته المستشفى الذي وصفه والي الجهة عامل الإقليم السابق بنذهيبة، بأنه غير مشرف، واعتبر قسم الولادة به مليئا بالقطط والأوساخ، في زيارة مفاجئة له. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب قرر في دجنبر الماضي، إيفاد لجنة لتقصي الحقائق بالمستشفى، بعدما توصل بعدة شكايات بخصوص اختلالاته. وقام الحسين الوردي، وزير الصحة، في 15 يونيو من السنة الماضية، بزيارة مفاجئة إليه، واعترف بأنه يعاني من عدة نقائص وغياب التجهيزات، وقال: «لا أقبل أن يلقى المواطنون حتفهم بالمراكز الصحية». كما قامت لجنة موفدة من المفتشية العامة لوزارة الصحة في 25 نونبر السنة الماضية بزيارة لأقسام المستشفى، واستمعت لشكايات النساء والممرضين والأطباء، لكن دون أي أثر.