لم يُسلط أغلب الذين انتقدوا مجيء حزب الأصالة والمعاصرة إلى المشهد السياسي المغربي، في 2008، الضوء على اسم الحزب الذي يجمع مفهومين متناقضين هما: «الأصالة» و«المعاصرة»، بقدرما ركزوا على صداقة مؤسِّسه، فؤاد عالي الهمة، للملك، وعلى منصبه السابق على رأس وزارة الداخلية، وربطوا ذلك بالحديث عن استغلال تلك الصداقة وذلك المنصب لبسط النفوذ على الأعيان والإدارة، من جهة؛ ومن جهة أخرى، لممارسة الإغراء على فعاليات يسارية، خصوصا أولئك اليساريين الذين فصّلوا، رفقة الهمة، «عدالة انتقالية» على المقاس (أي: هيئة الإنصاف والمصالحة). هكذا أصبح الأصالة والمعاصرة عبارة عن مختبر إيديو-سوسيولوجي، يخلط بين «أصالة» الأعيان و»معاصرة» اليسار والتقنوقراط. ومن نتائج هذه الخلطة العجيبة أن عددا من الفاعلين السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، أصبحوا «ينزهون» -مثلا- محمد الشيخ بيد الله، وهو من صنف الأعيان، ومصطفى بكوري، وهو من صنف التقنوقراط، و«يشيطنون» بالمقابل إلياس العمري وحكيم بنشماس، وهما من فئة اليسار! فيما منطق الأشياء يقتضي ربط وجود الأعيان والتقنوقراط بإفساد وتمييع العملية السياسية، واليسار بالارتقاء بها. مختبر الأصالة والمعاصرة لم يكتف بصَهر يساريين وأعيان داخل بوتقته التنظيمية فحسب، بل تجاوز ذلك إلى أحزاب أخرى عندما جمع، قبيل الانتخابات البرلمانية ل2011، ال»جي 8»، وهو تحالف ضمَّ أحزابا ليبرالية وأخرى يسارية مع حزب إسلامي. وقد سخِر كل من شباط وبنكيران من هذا التحالف، حين سمّاه الأول ب«خي 8»، وقال عنه الثاني: «عمركم شفتو حمامة كتجر تراكتور»، تشكيكا في قدرة التجمع الوطني للأحرار على قيادة تجمع يضم «البام». الآن، الأصالة والمعاصرة يخوض تحالفا مع غريميه السابقين: الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. وهناك أحاديث قوية، صريحة ومضمرة، عن كون أمين عام حزب الاستقلال، حميد شباط، لم يقبل هذا التحالف إلا مقابل صفقة اقتطاع 500 هكتار من تراب جماعة أولاد الطيب وإلحاقها بالجماعة الحضرية لفاس؛ وقد أكد رئيس جماعة أولاد الطيب، المستقيل من «البام»، وجود هذه الصفقة بقوله: «سألت قياديا في البام لماذا لم تأخذوا رأينا في الموضوع، نحن المعنيين، قبل أن تتفقوا مع شباط، فرد عليّ: إن شباط وعد بإعطاء مقابل للبام في مدن أخرى مثل طنجة». لا ننسى، أيضا، أنه قبل هذه الصفقة «المادية» صفَق «البام» الباب، بطريقة مُذلة وغير ديمقراطية، في وجه البرلماني عزيز اللبار، جبرا لخاطر شباط. أما بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي، فإن هذا التحالف، حسب قياديين اتحاديين سابقين، يعتبر بمثابة سدادِ دين من ادريس لشكر للأصالة والمعاصرة الذي «توسط» له للاستوزار، سنة 2010، ضمن حكومة عباس الفاسي، رغم أنف قيادة الاتحاد حينها؛ وهو ما عبر عنه عبد الهادي خيرات (مدير الجريدة الناطقة باسم الاتحاد الاشتراكي) في حواره مع أسبوعية «الأيام» بقوله: «ما يعيشه الاتحاد، اليوم، هو نتيجة فقدان الثقة الشعبية في إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، والتي بصم عليها منذ استوزاره في حكومة عباس الفاسي بتلك الطريقة التي تابعها الجميع». هل أكملَ الأصالة والمعاصرة، بهذا التحالف، دورته وأقفل أبواب مختبره وأهرق محلولاته التي يضيفها إلى الأحزاب فتغير ألوانها، وإلى الزعامات السياسية فتغير مواقفها؟ من أقوى السيناريوهات التي يضعها المتتبعون السياسيون بخصوص انتخابات 2016، أن يقود «الجرار» أو العدالة والتنمية حكومة تضم، إلى جانبهما، التجمع الوطني للأحرار؛ مستدلين على ذلك باستطلاعات الرأي التي تتوقع أن يتصدر «البيجيدي» قائمة الأحزاب متبوعا ب«البام» الذي لا يمكن، بحكم كيميائه الهجين، أن يطيل في المعارضة. إذا تحقق هذا السيناريو في 2016، فسيكون حزب الأصالة والمعاصرة قد أثبت أنه مختبر سياسي حقيقي قادر على صهر ما لا يصهر: خلطَ فكرتين من معدنين متنافرين هما: «الأصالة» و«المعاصرة»، وجمعَ فريقين على طرفي نقيض هما: الأعيان واليساريون، وتأسَّس على محاربة الإسلاميين، كما أكد ذلك عبد الله القادري، أحد مؤسسي «البام»، قبل أن ينتهي به الأمر متحالفا مع العدالة والتنمية.