مازالت البنوك المغربية ترفض الانخراط في مسلسل تحفيز النمو الاقتصادي عبر خفض معدلات الفائدة وتسهيل شروط منح القروض، على اعتبار ارتفاع نسبة المخاطرة في الظرفية الحالية المطبوعة بزيادة التوترات الاجتماعية وإمكانية ارتفاع عدد الزبناء المعسرين، ما يطرح تساؤلات عديدة حول الدور الحقيقي لهذه المؤسسات التي تستفيد من الادخار العمومي لتحقيق أرباح خيالية، دون أن ينعكس ذلك على النسيج الاقتصادي للبلد. هل تعلن البنوك تمردها، مرة أخرى، على والي بنك المغرب؟ سؤال ملح أصبح يطرح نفسه بحدة، خاصة بعد أن قام عبد اللطيف الجواهري بخفض سعر الفائدة المرجعي إلى أقل من 3 في المائة، ليستقر في حدود 2.75 في المائة، لأول مرة في تاريخ المغرب، في خطوة حاول من خلالها الرجل تشجيع النمو ودفع المؤسسات البنكية إلى تسهيل شروط منح القروض. ورغم أن والي بنك المغرب برر قراره بالسياق الصعب الذي يمر منه الاقتصاد الوطني، خاصة مع استمرار ضعف وتيرة نمو الأنشطة غير الفلاحية، وهو ما من شأنه أن ينعكس على النمو الإجمالي خلال 2014، حيث لن يتعدى سقف 2.5 في المائة، وإن كانت وزارة الاقتصاد والمالية قد توقعت تحقيق نسبة 4.2 في المائة قبل نهاية السنة الحالية، فإن البنوك، التي تبدو منشغلة أكثر بحساب أرباحها نصف السنوية، لم تعر تحركات الجواهري أدنى اهتمام، ولم تعلن إلى الآن عن أي خطوة في اتجاه خفض معدلات الفائدة وتسهيل شروط منح القروض. أرباح قياسية يستحوذ بنكان في المغرب على أكثر من نصف الناتج الصافي البنكي الإجمالي، وهما «التجاري وفا بنك» و»البنك الشعبي» بنسبة 25 بالمائة و24.1 بالمائة على التوالي، ويستحوذان أيضا على 26 بالمائة و23 بالمائة من الناتج الإجمالي للقطاع البنكي بالمغرب. ويأتي في المرتبة الثالثة والرابعة كل من البنك المغربي للتجارة الخارجية والشركة العامة للأبناك، وتمثل باقي الأبناك نسبة لا تتجاوز 30 بالمائة من نسبة السوق. وبالعودة إلى النتائج المالية للبنوك الثلاثة الأولى، والمسجلة خلال النصف الأول من السنة الجارية، يبقى هذا المنطق محترما، حيث أعلن محمد الكتاني، الرئيس المدير العام لمجموعة التجاري وفا بنك، أن هذه الأخيرة سجلت أرباحا تجاوزت 2.7 مليار درهم برسم النصف الأول من سنة 2014، رغم الظرفية السائدة التي اتسمت بتباطؤ نمو النشاط البنكي وارتفاع طفيف للديون المتعثرة في القطاع البنكي بالمغرب. وأفاد الكتاني، خلال تقديم النتائج المالية نصف السنوية للمجموعة، أن التجاري وفا بنك يعد الممول الأول للاقتصاد، إذ بلغ إجمالي القروض الموزعة 256.4 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 1.1 في المائة، مقابل 253.6 في المائة خلال يونيو 2013. كما أبرز أن المجموعة هي المستقطب الأول للادخار، إذ بلغ إجمالي الادخار 346.1 مليار درهم، مقابل 316.4 في المائة، مسجلا تحسنا ب 9.4 في المائة، مشيرا إلى أن التجاري وفا بنك تتوفر على أول شبكة فروع في المغرب وفي إفريقيا، إذ بلغ عدد الوكالات بإفريقيا 3265، مقابل 3037 وكالة خلال يونيو من 2013، وبالمغرب بلغ عدد الوكالات 2595 إلى نهاية يونيو 2014، مسجلة زيادة ب 171 وكالة مقارنة بالفترة ذاتها من 2013. بالمقابل، ارتفعت الأرباح الصافية لحصة مجموعة البنك المركزي الشعبي إلى 1.1 مليار درهم مع نهاية شهر يونيو الماضي، وذلك بارتفاع نسبته 13 في المائة بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، هذا في الوقت التي ارتفعت الأرباح الصافية الموطدة بنسبة 2 في المائة، لتصل إلى 1.7 مليار درهم. وقد تحققت هذه النتائج، حسب المجلس الإداري للمجموعة، بفضل تحسن الناتج الصافي البنكي بنسبة 15 في المائة، والنجاعة العملية بنسبة 44.6 في المائة مع نهاية النصف الأول من سنة 2014 بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة التي سبقتها. ووطدت المجموعة موقعها بالسوق البنكية الوطنية، إذ ارتفعت الودائع المحلية للأشخاص الذاتيين إلى 77.4 مليار درهم مع منتصف السنة الحالية، وذلك بارتفاع نسبته 3.6 في المائة، وهو الأمر الذي مكن المجموعة في هذا الإطار من الهيمنة على السوق بنسبة 20.5 في المائة. ومن جانبه، وصف ابراهيم بنجلون التويمي، المتصرف المدير العام التنفيذي لمجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية، النتائج المالية نصف السنوية التي حققتها المجموعة خلال الفترة الممتدة ما بين شهري يناير ويونيو 2013 ب «القياسية». وقال بنجلون التويمي، خلال مؤتمر صحفي عقده لتقديم النتائج المالية للبنك المغربي للتجارة الخارجية وفروعه في إفريقيا وأوربا وأمريكا، إن المؤشرات المالية نصف السنوية «حطمت أرقاما قياسية تاريخية». وربط المتصرف المدير العام التنفيذي لمجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية، هذه النتائج المالية المشجعة على مستوى الحسابات المجمعة الموطدة، بارتفاع الناتج الصافي البنكي للمجموعة بنسبة 15 في المائة وزيادة النتيجة الإجمالية للاستغلال بنسبة 31 في المائة، والزيادة الكبيرة في حصة المجموعة البنكية من النتيجة الصافية بنسبة 51 في المائة. وحقق البنك المغربي للتجارة الخارجية وباقي فروعه الإفريقية والأوربية والأمريكية، 5.6 مليارات درهم على صعيد المنتوج الصافي البنكي، و2.6 مليار درهم فيما يخص النتيجة الإجمالية للاستغلال، وما يناهز 902 مليون درهم فيما يهم حصة المجموعة البنكية من النتيجة الصافية. مخاطر مختلقة تبني البنوك قرارها الرافض لخفض معدلات الفائدة المطبقة على القروض، التي تمنحها لزبنائها في المغرب، على عامل ارتفاع نسبة المخاطرة في الظرفية الحالية المطبوعة بزيادة التوترات الاجتماعية وإمكانية زيادة عدد الزبناء المعسرين، وهو موقف قديم جديد لم يتغير منذ سنوات، رغم أن كل البنوك المغربية تحقق أرباحا قياسية لا تحققها بنوك في أوربا أو أمريكا. وفي هذا الإطار، يرى عبد الصمد ديبي، أستاذ الاقتصاد والتدبير بالدار البيضاء، أن البنوك المغربية ترفض فعلا الانخراط في مسلسل تخفيض معدلات الفائدة، معتمدة في ذلك على التوافق فيما بينها في إطار المجموعة المهنية لبنوك المغرب، التي تقف حاجزا أمام تطبيق فعال لسياسات بنك المغرب، مضيفا أنها تستفيد، كذلك، من ضعف البورصة، التي يجب أن تكون في الواقع سوقا مالية منافسة، وهو ما يحرم زبناء البنوك من تمويلات بديلة. ويؤكد ديبي أن سعر الفائدة في السوق يخضع لعنصرين أساسيين، هما سعر الفائدة المرجعي ونسبة المخاطرة، فمن خلال النظرية الاقتصادية المالية، ومن أجل تحريك الدينامية الاقتصادية، يقوم بنك المغرب بخفض سعر الفائدة المرجعي، غير أن البنوك ترى في هذه الحالة وجود بعض المخاطر المحدقة بالاقتصاد، وهو ما يدفعها إلى زيادة نسبة المخاطرة، وبالتالي تبقى معدلات الفائدة في مستوياتها العادية ولا تستفيد من خفض سعر الفائدة المرجعي. غير أن المعطيات الصادرة عن بنك المغرب، والتي تتحدث فقط عن المخاطر المرتبطة بقروض الاستهلاك ولا تركز على المخاطر بالنسبة للقروض التي تستفيد منها الشركات، تؤكد أن شركات التمويل المانحة للقروض الاستهلاكية تمكنت من تخفيض كلفة المخاطرة في هذا النوع من القروض بشكل كبير. ويعزو البنك هذا التراجع إلى عاملين أساسيين، أولهما تحسن الوضعية المالية للأسر المغربية، التي أصبحت تملك قدرة أكبر على الالتزام بأداء ديونها، وثانيهما، أن تطهير محفظة شركات التمويل بدأ يعطي نتائج ملموسة، وأن القروض لم تعد تمنح دون ضمانات كافية أو بشكل عشوائي. ويرى المندوب العام للجمعية المهنية للمؤسسات المالية، مصطفى ملسا، أن المخاطر تظل أمرا واردا بقوة ولا يمكن تفاديه، بالنظر إلى أن هذا القطاع يعد قطاع مخاطر بامتياز، غير أنه يؤكد أن من الضروري مواصلة تطوير منتجات خاصة عبر تلبية طلبات جديدة للزبناء مع العمل في آن واحد على توسيع ودمقرطة الحق في الحصول على القروض مع الاقتراب أكثر من الأشخاص غير المستفيدين من هذه الأخيرة، وتحفيزهم بشكل يجعلهم يفتحون حسابات بنكية خاصة بهم. دور غير مفهوم عندما قدم مجلس المنافسة النتائج الأولية للدراسة التي أنجزها مكتب «مزار» حول القطاع البنكي بالمغرب، كان الجميع يتوقع أن تفرز هذه النتائج تشريحا دقيقا للقطاع يضع الأصبع على مكامن الخلل ويكشف الستار عن الجهات المستفيدة من استمرار الوضع الحالي للقطاع، غير أن شيئا من ذلك لم يقع، وظلت المعطيات التي قدمتها الدراسة سطحية للغاية، في وقت لم يعد فيه الخبراء يفهمون الدور الحقيقي للبنوك في النسيج الاقتصادي الوطني، بعدما اتجه معظمها إلى نهج سياسة ربط الحزام والامتناع عن منح مزيد من القروض، خاصة للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تشكل عصب الحياة في الدورة الاقتصادية. وتفيد الدراسة بأن الدولة المغربية تظل الفاعل الأول في القطاع البنكي، إذ تساهم في بنك من أصل ثلاثة أبناك، وتراقب 7 أبناك أخرى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتتمركز 89 بالمائة من الموارد البشرية بسبعة أبناك فقط، مؤكدة أن القطاع البنكي متمركز بشكل متوسط بالمغرب، حيث تستحوذ البنوك الأربعة الأولى على 74 في المائة من الودائع، وعلى 72 بالمائة من القروض الممنوحة. وتقول الدراسة بأن نسب الفائدة توفر 75 بالمائة من الناتج الصافي للأبناك، وهو ما اعتبرته غير عادي، حيث إن القطاع البنكي في الدول الكبرى لا يحصل على ناتجه الصافي من نسب الفائدة. وتشير الدراسة، من جهة أخرى، إلى وجود ثلاثة أنواع من الحواجز المفروضة على دخول السوق البنكية٬ يتمثل أولها في الحواجز التنظيمية٬ المتعلقة بالحصول على موافقة بنك المغرب٬ ويتمثل النوع الثاني في الحواجز البنيوية التي تتعلق لاسيما بغياب التساوي بين المنافسين في الحصول على المعلومة واقتصاد الأسعار٬ ويتمثل النوع الأخير في الحواجز الاستراتيجية المتعلقة بتجميع العروض. وتظهر الدراسة أن القطاع البنكي٬ الذي ينظمه إطار تشريعي وتنظيمي مفصل تحت وصاية البنك المركزي٬ يشارك بنسبة 110 في المائة في الناتج الداخلي الخام بحصيلة إجمالية تبلغ ألف مليار درهم. وتوصي الدراسة بتسهيل الحركية البنكية للزبناء٬ ومواصلة العمل الذي بدأه بنك المغرب حول شفافية ومقارنة التعريفات البنكية والتفكير في نسبة الفائدة القصوى المتفق عليها٬ معتبرة أن من الضروري جعل أنظمة المحاسبة التحليلية للبنوك أكثر فاعلية وإحداث هيئات مستقلة لتنقيط البنوك.