أعتقد بأن الحديث عن الدخول الثقافي بالمغرب غير ممكن ولربما على مستوى العالم العربي ككل لعدة اعتبارات تقتضي التطرق إليها وتبدو متداخلة. فهذا التقليد في العمق فرنسي يتم التركيز فيه على أهم المنشورات الفكرية والإبداعية الدالة، بغاية الدخول في المنافسة عن الجوائز السنوية المكرسة لمثل هذا الدخول، حيث يتضاعف مستوى التلقي، ويتحقق استهلاك وتداول الكتاب بقوة. بمعنى أن إنتاج الكتاب يتحول إلى صناعة إعلامية يتحقق الإعداد لها في شهر يوليوز من كل سنة، فتخصص مجلة ك»ليرLIRE» عدد نهاية وبداية السنة الثقافية، لإدراج حصيلة الإصدارات المتوقع ظهورها، إلى الإعلان عن التواريخ المحددة لمثل هذا الظهور، ويتم إرفاق العدد بمختارات من هذه الإصدرات يتفق عليها وترخص من طرف الجهة الناشرة. والواقع أن توجها من هذا القبيل يعكس صورة عن المكانة التي تحتلها الثقافة في البنية السياسية لمؤسسة الدولة. في المقابل، فإن ما يحدث مغربيا يخالف هذه التوجهات. ذلك أن الثقافة لا تندرج ضمن الأولويات، خاصة أن ميزانيتها المالية ضعيفة، إلى كون الموارد البشرية تفتقر للخيال الثقافي المبدع، والذي من شأنه خلق وابتكار أفكار عن لقاءات وتظاهرات تنبني على المشاركة وتضافر الجهود. وأرى إلى أن غياب استراتيجية ثقافية واضحة المعالم والخطوط، ينعكس على الحقل الثقافي والتربوي على السواء. فقطاع النشر بالمغرب، لم يستطع وإلى اليوم التحكم وضبط آليات مراقبة السوق تجاريا واقتصاديا، ذلك أن الدور الناشرة على قلتها لا تمتلك بداية لجان قراءة متنوعة بتنوع الحقول المعرفية، وهو ما يؤهل هذه إلى رسم خطة إعلامية تسهم في الدعاية والترويج للكتاب بما هو منتوج معروض للتداول. وتقتضي تقاليد وأصول الدعاية الإسهام في الإخبار عن الإصدار، إلى عقد لقاءات والمؤلفين تفسح من ناحية التعرف مباشرة عليهم، ومن ثان تقديم الإصدار الجديد والتعريف به. والأصل أن دورا كهذا يجب أن تنخرط فيه القنوات الإعلامية بإفراد برنامج خاص للدعاية والترويج للكتاب المغربي، وإن يذاع مرة كل منتصف شهر. ومن المؤسف أن معظم البرامج الحوارية (هي ليست سياسية) لا تولي الشأن الثقافي اهتماما. فما الذي يحدث في غياب هذه التوجهات؟ إن ما يحدث أننا نجد أنفسنا أمام هجرة للكتاب المغربي خارج أرض الوطن، وباتت قصة إحدى الدور السورية الصغيرة معروفة، حيث أقدمت دفعة واحدة على طبع ونشر خمسين كتابا مغربيا. فمن هجرة الإنسان، إلى هجرة المعرفة. بيد أن ما أصبح متداولا ومعروفا، كون معظم الدور ومنها المتخصصة في طبع ونشر الكتاب المدرسي فقط، وهي تستفيد من الورق، تراهن على دورة معرض الكتاب السنوية دون أن تقدم وعلى امتداد السنة على سن وتطبيق برنامج للنشر ثابت. على أن جملة من المؤسسات الثقافية لا تساهم في تفعيل حركية الدخول الثقافي، سواء عن طريق المشاركة في تحريك عملية تداول الكتاب المغربي، ومن هنا العزوف عن القراءة، أو إعلان برامج وندوات ثقافية غايتها ملامسة واقع وقضايا الثقافة المغربية، بل إن مؤسسة كاتحاد كتاب المغرب تضاءل إشعاعها الثقافي مغربيا وعربيا. وتحق الإشارة ما دمنا بصدد التطرق لموضوع الدخول الثقافي، إلى أن المدن المغربية التي دأبت على عقد مهرجانات ومواسم وتظاهرات فنية فلكلورية في معظمها، تغيب الجانب الثقافي ولا تؤهل المواطن للانخراط في عجلة التنمية الفكرية والحضارية، ومن هنا انبثق التأثير على التربوي والتعليمي. إن المطلوب اليوم لتفعيل الدخول الثقافي: 1 / إعادة التفكير في المسألة الثقافية بجدية وموضوعية، وبالاعتماد على إرادة سياسية قوية. 2 / إجبار المؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية على الانخراط في ترسيخ وتداول الشأن الثقافي، ودعمها ماديا. 3 / الحرص على إعطاء الكتاب المغربي مكانته المستحقة عن طريق الدعم، والترويج الدعائي والإعلامي. 4 / تخصيص جوائز خاصة ورسمية، وذات قيمة اعتبارية. 5 / التفكير في إنشاء مجلس أعلى للثقافة.